صفحة جزء
( وقوله : عجب ربنا من قنوط عباده وقرب خيره ، ينظر إليكم آزلين قنطين ، فيظل يضحك يعلم أن فرجكم قريب ، حديث حسن ) .


ش قوله : ( عجب ربنا . . ) إلخ ؛ هذا الحديث يثبت لله عز وجل صفة العجب ، وفي معناه قوله عليه الصلاة والسلام : عجب ربك من شاب ليس له صبوة .

[ ص: 203 ] وقرأ ابن مسعود رضي الله عنه : ( بل عجبت ويسخرون ) ؛ بضم التاء على أنها ضمير للرب جل شأنه .

وليس عجبه سبحانه ناشئا عن خفاء في الأسباب أو جهل بحقائق الأمور ؛ كما هو الحال في عجب المخلوقين ؛ بل هو معنى يحدث له سبحانه على مقتضى مشيئته وحكمته وعند وجود مقتضيه ، وهو الشيء الذي يستحق أن يتعجب منه .

وهذا العجب الذي وصف به الرسول ربه هنا من آثار رحمته ، وهو من كماله تعالى ، فإذا تأخر الغيث عن العباد مع فقرهم وشدة حاجتهم ، واستولى عليهم اليأس والقنوط ، وصار نظرهم قاصرا على الأسباب الظاهرة ، وحسبوا ألا يكون وراءها فرج من القريب المجيب ؛ فيعجب الله منهم .

وهذا محل عجيب حقا ؛ إذ كيف يقنطون ورحمته وسعت كل شيء ، والأسباب لحصولها قد توفرت ؟ ! فإن حاجة العباد وضرورتهم من [ ص: 204 ] أسباب رحمته ، وكذا الدعاء بحصول الغيث والرجاء في الله من أسبابها ، وقد جرت عادته سبحانه في خلقه أن الفرج مع الكرب ، وأن اليسر مع العسر ، وأن الشدة لا تدوم ، فإذا انضم إلى ذلك قوة التجاء وطمع في فضل الله ، وتضرع إليه ودعاء ؛ فتح الله عليهم من خزائن رحمته ما لا يخطر على البال .

والقنوط مصدر ( قنط ) ، وهو اليأس من رحمة الله ؛ قال تعالى : ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون .

قوله : ( وقرب خيره ) ؛ أي : فضله ورحمته .

وقد روي : ( غيره ) ، والغير : اسم من قولك : غير الشيء فتغير .

وفي حديث الاستسقاء : ( من يكفر بالله يلق الغير ) ؛ أي : تغير الحال ، وانتقالها من الصلاح إلى الفساد .

قوله : ( آزلين قنطين ) : حالان من الضمير المجرور في ( إليكم ) .

و ( آزلين ) : جمع آزل ، اسم فاعل من الأزل ؛ بمعنى الشدة والضيق ، يقال : أزل الرجل يأزل أزلا ، من باب فرح ؛ أي : صار في ضيق وجدب .

التالي السابق


الخدمات العلمية