صفحة جزء
( وقوله في رقية المريض : ربنا الله الذي في السماء ، تقدس اسمك ، أمرك في السماء والأرض ، كما رحمتك في السماء اجعل رحمتك في الأرض ، اغفر لنا حوبنا وخطايانا ، أنت رب الطيبين ، أنزل رحمة من رحمتك ، وشفاء من شفائك على هذا الوجع ؛ فيبرأ > [ ص: 208 ] حديث حسن ، رواه أبو داود وغيره .

وقوله : ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء ، حديث صحيح . وقوله : ( والعرش فوق الماء ، والله فوق العرش ، وهو يعلم ما أنتم عليه ) [ ص: 209 ] حديث حسن ، رواه أبو داود وغيره ، وقوله للجارية : أين الله ؟ ، قالت : في السماء ، قال : من أنا ؟ قالت : أنت رسول الله . قال : أعتقها فإنها مؤمنة . رواه مسلم ) .


ش قوله : ( ربنا الله الذي في السماء . . ) إلخ ؛ الحديث الأول والثاني صريح في علوه تعالى وفوقيته ؛ فهو كقوله تعالى : أأمنتم من في السماء .

وقد سبق أن قلنا : إن هذه النصوص ليس المراد منها أن السماء ظرف حاو له سبحانه ؛ بل ( في ) إما أن تكون بمعنى ( على ) ؛ كما قاله كثير من أهل العلم واللغة ، و ( في ) تكون بمعنى ( على ) في مواضع كثيرة ؛ مثل قوله تعالى :ولأصلبنكم في جذوع النخل ، وإما أن يكون المراد من السماء جهة العلو ، وعلى الوجهين فهي نص في علوه تعالى على خلقه .

وفي حديث الرقية المذكور توسل إلى الله عز وجل بالثناء عليه بربوبيته وإلاهيته وتقديس اسمه وعلوه على خلقه وعموم أمره الشرعي وأمره القدري ، ثم توسل إليه برحمته التي شملت أهل سماواته جميعا أن يجعل [ ص: 210 ] لأهل الأرض نصيبا منها ، ثم توسل إليه بسؤال مغفرة الحوب وهو الذنب العظيم ، ثم الخطايا التي هي دونه ، ثم توسل إليه بربوبيته الخاصة للطيبين من عباده ، وهم الأنبياء وأتباعهم ، التي كان من آثارها أن غمرهم بنعم الدين والدنيا الظاهرة والباطنة .

فهذه الوسائل المتنوعة إلى الله لا يكاد يرد دعاء من توسل بها ، ولهذا دعا الله بعدها بالشفاء الذي هو شفاء الله الذي لا يدع مرضا إلا أزاله ، ولا تعلق فيه لغير الله .

فهل يفقه هذا عباد القبور من المتوسلين بالذوات والأشخاص والحق والجاه والحرمة

ونحو ذلك ؟ !

وأما قوله : ( والعرش فوق الماء . . ) إلخ ؛ ففيه الجمع بين الإيمان بعلوه تعالى على عرشه ، وبإحاطة علمه بالموجودات كلها .

فسبحان من هو علي في دنوه ، قريب في علوه .

وأما الحديث الرابع ؛ فقد تضمن شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم بالإيمان للجارية التي اعترفت بعلوه تعالى على خلقه ، فدل ذلك على أن وصف العلو من أعظم أوصاف الباري جل شأنه ، حيث خصه بالسؤال عنه دون بقية الأوصاف ، ودل أيضا على أن الإيمان بعلوه المطلق من كل وجه هو من أعظم أصول الإيمان ، فمن أنكره ؛ فقد حرم الإيمان الصحيح .

[ ص: 211 ] والعجب من هؤلاء الحمقى من المعطلة النفاة زعمهم أنهم أعلم بالله من رسوله ، فينفون عنه الأين بعدما وقع هذا اللفظ بعينه من الرسول مرة سائلا غيره كما في هذا الحديث ، ومرة مجيبا لمن سأله بقوله : أين كان ربنا ؟

التالي السابق


الخدمات العلمية