صفحة جزء
( وقوله : أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت ، حديث حسن ، وقوله : إذا قام أحدكم إلى الصلاة ؛ فلا يبصقن قبل وجهه ، ولا عن يمينه ؛ فإن الله قبل وجهه ، ولكن عن يساره ، أو تحت قدمه ، متفق عليه ، وقوله صلى الله عليه وسلم : اللهم رب السماوات السبع والأرض ورب [ ص: 212 ] العرش العظيم ، ربنا ورب كل شيء ، فالق الحب والنوى ، منزل التوراة والإنجيل والقرآن ، أعوذ بك من شر نفسي ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها ، أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء ؛ اقض عني الدين وأغنني من الفقر ، رواية مسلم ، وقوله صلى الله عليه وسلم لما رفع الصحابة أصواتهم بالذكر : أيها الناس أربعوا على أنفسكم ؛ فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ، إنما تدعون سميعا بصيرا قريبا ، إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته ، متفق عليه ) .


ش قوله : ( أفضل الإيمان أن تعلم . . ) إلخ ؛ فيه دلالة على أن أفضل الإيمان هو مقام الإحسان والمراقبة ، وهو أن يعبد ربه كأنه يراه ويشاهده ، ويعلم أن الله معه حيث كان ، فلا يتكلم ولا يفعل ولا يخوض في أمر إلا والله رقيب مطلع عليه ؛ [ ص: 213 ] قال تعالى : وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه .

ولا شك أن هذه المعية إذا استحضرها العبد في كل أحواله ؛ فإنه يستحيي من الله عز وجل أن يراه حيث نهاه ، أو أن يفتقده حيث أمره ، فتكون عونا له على اجتناب ما حرم الله ، والمسارعة إلى فعل ما أمر به من الطاعات على وجه الكمال ظاهرا وباطنا ، ولا سيما إذا دخل في الصلاة التي هي أعظم صلة ومناجاة بين العبد وربه ، فيخشع قلبه ، ويستحضر عظمة الله وجلاله ، فتقل حركاته ، ولا يسيء الأدب مع ربه بالبصق أمامه أو عن يمينه .

قوله : ( إذا قام أحدكم إلى الصلاة . . ) إلخ ؛ دل على أن الله عز وجل يكون قبل وجه المصلي .

قال شيخ الإسلام في ( العقيدة الحموية ) ، ( إن الحديث حق على ظاهره ، وهو سبحانه فوق العرش ، وهو قبل وجه المصلي ، بل هذا الوصف يثبت للمخلوقات ؛ فإن الإنسان لو أنه يناجي السماء أو يناجي الشمس والقمر ؛ لكانت السماء والشمس والقمر فوقه ، وكانت أيضا قبل وجهه ) . اهـ

[ ص: 214 ] قوله : ( اللهم رب السماوات . . ) إلخ ؛ تضمن الحديث إثبات أسمائه تعالى : الأول ، والآخر ، والظاهر ، والباطن ، وهي من الأسماء الحسنى ، وقد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بما لا يدع مجالا لقائل ، فهو أعلم الخلق جميعا بأسماء ربه وبالمعاني التي تدل عليها ، فلا يصح أن يلتفت إلى قول غيره أيا كان .

وفي الحديث أيضا يعلمنا نبينا صلوات الله وسلامه عليه وآله كيف نثني على ربنا عز وجل قبل السؤال ، فهو يثني عليه بربوبيته العامة التي انتظمت كل شيء ، ثم بربوبيته الخاصة الممثلة في إنزاله هذه الكتب الثلاثة تحمل الهدى والنور إلى عباده ، ثم يعوذ ويعتصم به سبحانه من شر نفسه ومن شر كل ذي شر من خلقه ، ثم يسأله في آخر الحديث أن يقضي عنه دينه ، وأن يغنيه من فقر .

قوله : ( أيها الناس اربعوا على أنفسكم . . ) إلخ ؛ أفاد هذا الحديث قربه سبحانه من عباده ، وأنه ليس بحاجة إلى أن يرفعوا إليه أصواتهم ؛ فإنه يعلم السر والنجوى ، وهذا القرب المذكور في الحديث قرب إحاطة ، وعلم ، وسمع ، ورؤية ، فلا ينافي علوه على خلقه .

التالي السابق


الخدمات العلمية