صفحة جزء
( فهم وسط في باب صفات الله سبحانه وتعالى بين أهل التعطيل الجهمية ، وأهل التمثيل المشبهة ) .


ش قوله : ( فهم وسط في باب صفات الله . . ) إلخ ؛ يعني : أن أهل السنة والجماعة وسط في باب الصفات بين من ينفيها ويعطل الذات العلية عنها ، ويحرف ما ورد فيها من الآيات والأحاديث عن معانيها الصحيحة إلى ما يعتقده هو من معان بلا دليل صحيح ، ولا عقل صريح ؛ كقولهم : رحمة الله : إرادته الإحسان ، ويده : قدرته ، وعينه : حفظه ورعايته ، واستواؤه على العرش : استيلاؤه . . إلى أمثال ذلك من أنواع النفي والتعطيل التي أوقعهم فيها سوء ظنهم بربهم ، وتوهمهم أن قيام هذه الصفات به لا يعقل إلا على النحو الموجود في قيامها بالمخلوق .

[ ص: 219 ] ولقد أحسن القائل حيث يقول :


وقصارى أمر من أول أن ظنوا الظنونا فيقولون على الرحمن ما لا يعلمونا

وإنما سمي أهل التعطيل جهمية نسبة إلى الجهم بن صفوان الترمذي رأس الفتنة والضلال ، وقد توسع في هذا اللفظ حتى أصبح يطلق على كل من نفى شيئا من الأسماء والصفات ، فهو شامل لجميع فرق النفاة ؛ من فلاسفة ، ومعتزلة ، وأشعرية ، وقرامطة باطنية .

فأهل السنة والجماعة وسط بين هؤلاء الجهمية النفاة وبين أهل التمثيل المشبهة الذين شبهوا الله بخلقه ، ومثلوه بعباده .

وقد رد الله على الطائفتين بقوله : ليس كمثله شيء ، فهذا يرد على المشبهة ، وقوله : وهو السميع البصير يرد على المعطلة .

وأما أهل الحق ؛ فهم الذين يثبتون الصفات لله تعالى إثباتا بلا تمثيل ، وينزهونه عن مشابهة المخلوقات تنزيها بلا تعطيل ، فجمعوا أحسن ما عند الفريقين ؛ أعني التنزيه والإثبات ، وتركوا ما أخطئوا وأساءوا فيه من التعطيل والتشبيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية