صفحة جزء
( ومن الإيمان بالله وكتبه الإيمان بأن القرآن كلام الله ، منزل ، غير مخلوق ، منه بدأ ، وإليه يعود ، وأن الله تكلم به حقيقة ، وأن [ ص: 231 ] هذا القرآن الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم هو كلام الله حقيقة ، لا كلام غيره .

ولا يجوز إطلاق القول بأنه حكاية عن كلام الله ، أو عبارة ، بل إذا قرأه الناس أو كتبوه في المصاحف ؛ لم يخرج بذلك عن أن يكون كلام الله تعالى حقيقة ، فإن الكلام إنما يضاف حقيقة إلى من قاله مبتدئا ، لا إلى من قاله مبلغا مؤديا .

وهو كلام الله ؛ حروفه ، ومعانيه ، ليس كلام الله الحروف دون المعاني ، ولا المعاني دون الحروف ) .


ش قوله : ( ومن الإيمان بالله وكتبه . . ) إلخ ، جعل المصنف الإيمان بأن القرآن كلام الله داخلا في الإيمان بالله ؛ لأنه صفة من صفاته ، فلا يتم الإيمان به سبحانه إلا بها ، إذ الكلام لا يكون إلا صفة للمتكلم ، والله سبحانه موصوف بأنه متكلم بما شاء متى شاء ، وأنه لم يزل ولا يزال يتكلم ؛ بمعنى أن نوع كلامه قديم وإن كانت آحاده لا تزال تقع شيئا بعد شيء بحسب حكمته .

وقد قلنا فيما سبق : إن الإضافة في قولنا : القرآن كلام الله ؛ هي من إضافة الصفة للموصوف ، فتفيد أن القرآن صفة الرب سبحانه ، وأنه تكلم به حقيقة بألفاظه ومعانيه ، بصوت نفسه .

فمن زعم أن القرآن مخلوق من المعتزلة ؛ فقد أعظم الفرية على الله ، ونفى كلام الله عن الله وصفا ، وجعله وصفا لمخلوق ، وكان أيضا متجنيا على اللغة ، فليس فيها متكلم بمعنى خالق للكلام .

[ ص: 232 ] ومن زعم أن القرآن الموجود بيننا حكاية عن كلام الله ؛ كما تقوله الكلابية ، أو أنه عبارة عنه ؛ كما تقوله الأشعرية ؛ فقد قال بنصف قول المعتزلة ؛ حيث فرق بين الألفاظ والمعاني ، فجعل الألفاظ مخلوقة ، والمعاني عبارة عن الصفة القديمة ؛ كما أنه ضاهى النصارى في قولهم بحلول اللاهوت وهو الكلمة في الناسوت وهو جسد عيسى عليه السلام ؛ إذ قال بحلول المعاني التي هي الصفة القديمة في هذه الألفاظ المخلوقة ، فجعل الألفاظ ناسوتا لها .

والقرآن كلام الله ؛ حيث تصرف ، فمهما كتبناه في المصاحف ، أو تلوناه بالألسنة ؛ لم يخرج بذلك عن أن يكون كلام الله ؛ لأن الكلام كما قال المصنف إنما يضاف إلى من قاله مبتدئا ؛ لا إلى من قاله مبلغا مؤديا .

وأما معنى قول السلف : ( منه بدأ وإليه يعود ) ؛ فهو من البدء ؛ يعني : أن الله هو الذي تكلم به ابتداء ، لم يبتدأ من غيره ، ويحتمل أن يكون من البدو ؛ بمعنى الظهور ؛ يعني أنه هو الذي تكلم به وظهر منه ، لم يظهر من غيره .

ومعنى : ( إليه يعود ) ؛ أي : يرجع إليه وصفا ؛ لأنه وصفه القائم به ، وقيل : معناه يعود إليه في آخر الزمان ، حين يرفع من المصاحف والصدور ؛ كما ورد في أشراط الساعة .

[ ص: 233 ] وأما كون الإيمان بأن القرآن كلام الله داخلا في الإيمان بالكتب ؛ فإن الإيمان بها إيمانا صحيحا يقتضي إيمان العبد بأن الله تكلم بها بألفاظها ومعانيها ، وأنها جميعا كلامه هو ؛ لا كلام غيره ، فهو الذي تكلم بالتوراة بالعبرانية ، وبالإنجيل بالسريانية ، وبالقرآن بلسان عربي مبين .

التالي السابق


الخدمات العلمية