صفحة جزء
( فصل : ومن الإيمان باليوم الآخر الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت ، فيؤمنون بفتنة القبر ، وبعذاب القبر ونعيمه ، فأما الفتنة ؛ فإن الناس يمتحنون في قبورهم ، فيقال للرجل : من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، فيقول المؤمن : ربي الله ، والإسلام ديني ، ومحمد صلى الله عليه وسلم نبيي .

[ ص: 235 ] وأما المرتاب ؛ فيقول : هاه هاه ؛ لا أدري ، سمعت الناس يقولون شيئا فقلته ، فيضرب بمرزبة من حديد ، فيصيح صيحة يسمعها كل شيء ؛ إلا الإنسان ، ولو سمعها الإنسان ؛ لصعق .

ثم بعد هذه الفتنة إما نعيم وإما عذاب ، إلى أن تقوم القيامة الكبرى ، فتعاد الأرواح إلى الأجساد ) .


ش قوله : ( ومن الإيمان باليوم الآخر . . ) إلخ ؛ إذا كان الإيمان باليوم الآخر أحد الأركان الستة التي يقوم عليها الإيمان ؛ فإن الإيمان به إيمانا تاما كاملا لا يتحقق إلا إذا آمن العبد بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من أمور الغيب التي تكون بعد الموت .

والضابط في ذلك أنها أمور ممكنة أخبر بها الصادق صلوات الله عليه وسلامه وآله ، وكل ممكن أخبر به الصادق يجب الإيمان بوقوعه كما أخبر ؛ فإن هذه الأمور لا تستفاد إلا من خبر الرسول ، فأهل السنة والجماعة يؤمنون بذلك كله .

وأما أهل المروق والإلحاد من الفلاسفة والمعتزلة ؛ فينكرون هذه الأمور ؛ من سؤال القبر ، ومن نعيم القبر ، وعذابه ، والصراط ، والميزان ، وغير ذلك ؛ بدعوى أنها لم تثبت بالعقل ، والعقل عندهم هو الحاكم الأول الذي لا يجوز الإيمان بشيء إلا عن طريقه ، وهم يردون الأحاديث الواردة [ ص: 236 ] في هذه الأمور بدعوى أنها أحاديث آحاد لا تقبل في باب الاعتقاد ، وأما الآيات ، فيؤولونها بما يصرفها عن معانيها .

والإضافة في قوله : ( بفتنة القبر ) على معنى في ؛ أي : بالفتنة التي تكون في القبر .

وأصل الفتنة وضع الذهب ونحوه على النار لتخليصه من الأوضار والعناصر الغريبة ، ثم استعملت في الاختبار والامتحان .

وأما عذاب القبر ونعيمه ؛ فيدل عليه قوله تعالى في حق آل فرعون : النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ، وقوله سبحانه عن قوم نوح : مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا ، وقوله عليه الصلاة والسلام : القبر إما روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النار .

[ ص: 237 ] والمرزبة بالتخفيف : المطرقة الكبيرة ، ويقال لها أيضا : إرزبة ؛ بالهمزة والتشديد .

التالي السابق


الخدمات العلمية