صفحة جزء
( وله صلى الله عليه وسلم في القيامة ثلاث شفاعات :

أما الشفاعة الأولى : فيشفع في أهل الموقف حتى يقضى بينهم بعد أن يتراجع الأنبياء ؛ آدم ، ونوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ابن مريم عن الشفاعة حتى تنتهي إليه .

وأما الشفاعة الثانية : فيشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة .

وهاتان الشفاعتان خاصتان له .

وأما الشفاعة الثالثة : فيشفع فيمن استحق النار ، وهذه الشفاعة له ولسائر النبيين والصديقين وغيرهم ، فيشفع فيمن استحق النار ألا يدخلها ، ويشفع فيمن دخلها أن يخرج منها .

ويخرج الله من النار أقواما بغير شفاعة ؛ بل بفضله ورحمته ، ويبقى في الجنة فضل عمن دخلها من أهل الدنيا ، فينشئ الله لها أقواما فيدخلهم الجنة ) .


[ ص: 248 ] ش وأما قوله : ( وله صلى الله عليه وسلم في القيامة ثلاث شفاعات ) ؛ فأصل الشفاعة من قولنا : شفع كذا بكذا إذا ضمه إليه ، وسمي الشافع شافعا لأنه يضم طلبه ورجاءه إلى طلب المشفوع له .

والشفاعة من الأمور التي ثبتت بالكتاب والسنة ، وأحاديثها متواترة ؛ قال تعالى : من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه فنفي الشفاعة بلا إذن إثبات للشفاعة من بعد الإذن .

قال تعالى عن الملائكة : وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى .

فبين الله الشفاعة الصحيحة ، وهي التي تكون بإذنه ، ولمن يرتضي قوله وعمله .

وأما ما يتمسك به الخوارج والمعتزلة في نفي الشفاعة من مثل قوله تعالى : فما تنفعهم شفاعة الشافعين ، ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ، فما لنا من شافعين . . إلخ ؛ فإن الشفاعة المنفية هنا هي الشفاعة في أهل الشرك ، وكذلك الشفاعة [ ص: 249 ] الشركية التي يثبتها المشركون لأصنامهم ، ويثبتها النصارى للمسيح والرهبان ، وهي التي تكون بغير إذن الله ورضاه .

وأما قوله : ( أما الشفاعة الأولى ؛ فيشفع في أهل الموقف حتى يقضى بينهم ) ؛ فهذه هي الشفاعة العظمى ، وهي المقام المحمود الذي يغبطه به النبيون ، والذي وعده الله أن يبعثه إياه بقوله : عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا .

يعني : يحمده عليه أهل الموقف جميعا .

وقد أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم إذا سمعنا النداء أن نقول بعد الصلاة عليه : اللهم رب هذه الدعوة التامة ، والصلاة القائمة ، آت محمدا الوسيلة والفضيلة ، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته .

وأما قوله : ( وأما الشفاعة الثانية ؛ فيشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة ) ؛ يعني : أنهم وقد استحقوا دخول الجنة لا يؤذن لهم بدخولها إلا بعد شفاعته .

[ ص: 250 ] وأما قوله : ( وهاتان الشفاعتان خاصتان له ) ؛ يعني : الشفاعة في أهل الموقف ، والشفاعة في أهل الجنة أن يدخلوها .

وتنضم إليهما ثالثة ، وهي شفاعته في تخفيف العذاب عن بعض المشركين ؛ كما في شفاعته لعمه أبي طالب ، فيكون في ضحضاح من نار ؛ كما ورد بذلك الحديث .

وأما قوله : ( وأما الشفاعة الثالثة ؛ فيشفع فيمن استحق النار . . ) إلخ .

وهذه هي الشفاعة التي ينكرها الخوارج والمعتزلة ؛ فإن مذهبهم أن من استحق النار ؛ لا بد أن يدخلها ، ومن دخلها لا يخرج منها لا بشفاعة ولا بغيرها .

والأحاديث المستفيضة المتواترة ترد على زعمهم وتبطله .

التالي السابق


الخدمات العلمية