صفحة جزء
( وهذه الدرجة من القدر يكذب بها عامة القدرية الذين سماهم النبي صلى الله عليه وسلم مجوس هذه الأمة ، ويغلو فيها قوم من أهل الإثبات ، حتى سلبوا العبد قدرته واختياره ، ويخرجون عن أفعال الله وأحكامه حكمها ومصالحها ) .


ش وضل في القدر طائفتان ؛ كما تقدم : [ ص: 262 ] الطائفة الأولى : القدرية نفاة القدر ، الذين هم مجوس هذه الأمة ؛ كما ورد ذلك في بعض الأحاديث مرفوعا وموقوفا ، وهؤلاء ضلوا بالتفريط وإنكار القدر ، وزعموا أنه لا يمكن الجمع بين ما هو ثابت بالضرورة من اختيار العبد في فعله ومسئوليته عنه ، وبين ما دلت عليه النصوص من عموم خلقه تعالى ومشيئته ؛ لأن ذلك العموم في زعمهم إبطال لمسئولية العبد عن فعله ، وهدم للتكاليف ، فرجحوا جانب الأمر والنهي ، وخصصوا النصوص الدالة على عموم الخلق والمشيئة بما عدا أفعال العباد ، وأثبتوا أن العبد خالق لفعله بقدرته وإرادته ، فأثبتوا خالقين غير الله ، ولهذا سموا مجوس هذه الأمة ؛ لأن المجوس يزعمون أن الشيطان يخلق الشر والأشياء المؤذية ، فجعلوه خالقا مع الله ، فكذلك هؤلاء جعلوا العباد خالقين مع الله .

[ ص: 263 ] والطائفة الثانية : يقال لها : الجبرية ، وهؤلاء غلوا في إثبات القدر ، حتى أنكروا أن يكون للعبد فعل حقيقة ، بل هو في زعمهم لا حرية له ، ولا اختيار ، ولا فعل ؛ كالريشة في مهب الرياح ، وإنما تسند الأفعال إليه مجازا ، فيقال : صلى ، وصام ، وقتل ، وسرق ؛ كما يقال : طلعت الشمس ، وجرت الريح ، ونزل المطر ، فاتهموا ربهم بالظلم وتكليف العباد بما لا قدرة لهم عليه ، ومجازاتهم على ما ليس من فعلهم ، واتهموه بالعبث في تكليف العباد ، وأبطلوا الحكمة من الأمر والنهي ، ألا ساء ما يحكمون .

التالي السابق


الخدمات العلمية