صفحة جزء
( وهو الإيمان بالله وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، والبعث بعد الموت ، والإيمان بالقدر خيره وشره ) .


ش هذه الأمور الستة هي أركان الإيمان ، فلا يتم إيمان أحد إلا إذا آمن بها جميعا على الوجه الصحيح الذي دل عليه الكتاب والسنة ، فمن جحد شيئا منها أو آمن به على غير هذا الوجه فقد كفر .

وقد ذكرت كلها في حديث جبريل المشهور حين جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة أعرابي يسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان ، فقال : أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، وتؤمن بالبعث بعد الموت ، وبالقدر خيره وشره حلوه ومره من الله تعالى .

[ ص: 95 ] والملائكة : جمع ملك ، وأصله مألك ، من الألوكة ، وهي الرسالة ، وهم نوع من خلق الله عز وجل ، أسكنهم سماواته ، ووكلهم بشئون خلقه ، ووصفهم في كتابه بأنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، وأنهم يسبحون له بالليل والنهار لا يفترون .

فيجب علينا الإيمان بما ورد في حقهم من صفات وأعمال في الكتاب والسنة ، والإمساك عما وراء ذلك ، فإن هذا من شئون الغيب التي لا نعلم منها إلا ما علمنا الله ورسوله .

والكتب : جمع كتاب ، وهو من الكتب ، بمعنى : الجمع والضم ، والمراد بها الكتب المنزلة من السماء على الرسل عليهم الصلاة والسلام .

والمعلوم لنا منها : صحف إبراهيم ، والتوراة التي أنزلت على موسى في الألواح ، والإنجيل الذي أنزل على عيسى ، والزبور الذي أنزل على داود ، والقرآن الكريم الذي هو آخرها نزولا ، وهو المصدق لها ، والمهيمن عليها ، وما عداها يجب الإيمان به إجمالا .

والرسل : جمع رسول ، وقد تقدم أنه من أوحى الله إليه بشرع وأمره بتبليغه .

وعلينا أن نؤمن تفصيلا بمن سمى الله في كتابه منهم ، وهم خمسة وعشرون ، ذكرهم الشاعر في قوله :

[ ص: 96 ]

في تلك حجتنا منهم ثمانية من بعد عشر ويبقى سبعة وهم     إدريس هود شعيب صالح وكذا
ذو الكفل آدم بالمختار قد ختموا

وأما من عدا هؤلاء من الرسل والأنبياء فنؤمن بهم إجمالا على معنى الاعتقاد بنبوتهم ورسالتهم ، دون أن نكلف أنفسنا البحث عن عدتهم وأسمائهم ، فإن ذلك مما اختص الله بعلمه ، قال تعالى : ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك .

ويجب الإيمان بأنهم بلغوا جميع ما أرسلوا به على ما أمرهم الله عز وجل ، وبينوه بيانا لا يسع أحدا ممن أرسلوا إليه جهله ، وأنهم معصومون من الكذب والخيانة ، والكتمان والبلادة ، وأن أفضلهم أولو العزم ، والمشهور أنهم : محمد ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ونوح ؛ لأنهم ذكروا معا في قوله تعالى : [ ص: 97 ] وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم .

وقوله : شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه .

و ( البعث ) في الأصل : الإثارة والتحريك ، والمراد به في لسان الشرع : إخراج الموتى من قبورهم أحياء يوم القيامة ؛ لفصل القضاء بينهم ، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره .

ويجب الإيمان بالبعث على الصفة التي بينها الله في كتابه ، وهو أنه جمع ما تحلل من أجزاء الأجساد التي كانت في الدنيا ، وإنشاؤها خلقا جديدا ، وإعادة الحياة إليها .

ومنكر البعث الجسماني كالفلاسفة والنصارى كافر ، وأما من أقر به ولكنه زعم أن الله يبعث الأرواح في أجسام غير الأجسام التي كانت في الدنيا ؛ فهو مبتدع وفاسق .

وأما ( القدر ) ؛ فهو في الأصل ، مصدر تقول : قدرت الشيء - بفتح الدال وتخفيفها - أقدره - بكسرها - قدرا وقدرا ؛ إذا أحطت بمقداره .

والمراد به في لسان الشرع أن الله عز وجل علم مقادير الأشياء وأزمانها أزلا ، ثم أوجدها بقدرته ومشيئته على وفق ما علمه منها ، وأنه [ ص: 98 ] كتبها في اللوح قبل إحداثها ؛ كما في الحديث : أول ما خلق الله القلم ، فقال له : اكتب ، قال : وما أكتب ؟ قال : اكتب كل ما هو كائن .

وقال تعالى : ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها .

التالي السابق


الخدمات العلمية