صفحة جزء
( وقوله سبحانه : هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم ) .


ش قوله : ( هو الأول ) الجملة هنا جاءت معرفة الطرفين ؛ فهي تفيد اختصاصه سبحانه بهذه الأسماء الأربعة ومعانيها على ما يليق بجلاله وعظمته ، فلا يثبت لغيره من ذلك شيء .

وقد اضطربت عبارات المتكلمين في تفسير هذه الأسماء ، ولا داعي لهذه التفسيرات بعدما ورد تفسيرها عن المعصوم صلوات الله وسلامه عليه ، فقد روى مسلم في ( صحيحه ) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن [ ص: 121 ] النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا أوى إلى فراشه : اللهم رب السماوات السبع ، ورب الأرض ، رب كل شيء ، فالق الحب والنوى ، منزل التوراة والإنجيل والقرآن ؛ أعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته ، أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء ، اقض عني الدين وأغنني من الفقر .

فهذا تفسير واضح جامع يدل على كمال عظمته سبحانه ، وأنه محيط بالأشياء من كل وجه .

فالأول والآخر : بيان لإحاطته الزمانية .

والظاهر والباطن : بيان لإحاطته المكانية .

كما أن اسمه " الظاهر " يدل على أنه العالي فوق جميع خلقه ، فلا شيء منها فوقه .

فمدار هذه الأسماء الأربعة على الإحاطة ، فأحاطت أوليته وآخريته بالأوائل والأواخر ، وأحاطت ظاهريته وباطنيته بكل ظاهر وباطن .

فاسمه الأول : دال على قدمه وأزليته .

واسمه الآخر : دال على بقائه وأبديته .

واسمه الظاهر : دال على علوه وعظمته .

واسمه الباطن : دال على قربه ومعيته .

[ ص: 122 ] ثم ختمت الآية بما يفيد إحاطة علمه بكل شيء من الأمور الماضية والحاضرة والمستقبلة ، ومن العالم العلوي والسفلي ، ومن الواجبات والجائزات والمستحيلات ، فلا يغيب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء .

فالآية كلها في شأن إحاطة الرب سبحانه بجميع خلقه من كل وجه ، وأن العوالم كلها في قبضة يده كخردلة في يد العبد ، لا يفوته منها شيء ، وإنما أتى بين هذه الصفات بالواو مع أنها جارية على موصوف واحد ؛ لزيادة التقرير والتأكيد ؛ لأن الواو تقتضي تحقيق الوصف المتقدم وتقريره ، وحسن ذلك لمجيئها بين أوصاف متقابلة قد يسبق إلى الوهم استبعاد الاتصال بها جميعا ؛ فإن الأولية تنافي الآخرية في الظاهر ، وكذلك الظاهرية والباطنية ، فاندفع توهم الإنكار بذلك التأكيد .

التالي السابق


الخدمات العلمية