صفحة جزء
( وقوله : ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله ، وقوله : ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد [ ص: 131 ] وقوله : أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد ، وقوله : فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء .


ش قوله : ( ولولا إذ دخلت . . ) إلخ ، هذه الآيات دلت على إثبات صفتي الإرادة والمشيئة ، والنصوص في ذلك لا تحصى كثرة .

والأشاعرة يثبتون إرادة واحدة قديمة تعلقت في الأزل بكل المرادات ، فيلزمهم تخلف المراد عن الإرادة .

وأما المعتزلة ؛ فعلى مذهبهم في نفي الصفات لا يثبتون صفة الإرادة ، ويقولون : إنه يريد بإرادة حادثة لا في محل ، فيلزمهم قيام الصفة بنفسها ، وهو من أبطل الباطل .

وأما أهل الحق ؛ فيقولون : إن الإرادة على نوعين :

1 - إرادة كونية ترادفها المشيئة ، وهما تتعلقان بكل ما يشاء الله فعله وإحداثه ، فهو سبحانه إذا أراد شيئا وشاءه كان عقب إرادته له ؛ [ ص: 132 ] كما قال تعالى : إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون .

وفي الحديث الصحيح : ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن .

2 - وإرادة شرعية تتعلق بما يأمر الله به عباده مما يحبه ويرضاه ، وهي المذكورة في مثل قوله تعالى : يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر .

ولا تلازم بين الإرادتين ؛ بل قد تتعلق كل منهما بما لا تتعلق به الأخرى ، فبينهما عموم وخصوص من وجه .

فالإرادة الكونية أعم من جهة تعلقها بما لا يحبه الله ويرضاه من الكفر والمعاصي ، وأخص من جهة أنها لا تتعلق بمثل إيمان الكافر وطاعة الفاسق .

[ ص: 133 ] والإرادة الشرعية أعم من جهة تعلقها بكل مأمور به واقعا كان أو غير واقع ، وأخص من جهة أن الواقع بالإرادة الكونية قد يكون غير مأمور به .

والحاصل أن الإرادتين قد تجتمعان معا في مثل إيمان المؤمن ، وطاعة المطيع .

وتنفرد الكونية في مثل كفر الكافر ، ومعصية العاصي .

وتنفرد الشرعية في مثل إيمان الكافر ، وطاعة العاصي .

وقوله تعالى : ولولا إذ دخلت جنتك . . الآية ؛ هذا من قول الله حكاية عن الرجل المؤمن لزميله الكافر صاحب الجنتين ؛ يعظه به أن يشكر نعمة الله عليه ، ويردها إلى مشيئة الله ، ويبرأ من حوله وقوته ؛ فإنه لا قوة إلا بالله .

وقوله : ولو شاء الله ما اقتتلوا . . الآية ؛ إخبار عما وقع بين أتباع الرسل من بعدهم ، من التنازع ، والتعادي بغيا بينهم وحسدا ، وأن ذلك إنما كان بمشيئة الله عز وجل ، ولو شاء عدم حصوله ما حصل ، ولكنه شاءه فوقع .

وقوله : فمن يرد الله أن يهديه . . إلخ ؛ الآية تدل على أن كلا من الهداية والضلال بخلق الله عز وجل ، فمن يرد هدايته - أي : إلهامه وتوفيقه - يشرح صدره للإسلام ، بأن يقذف في قلبه نورا ، فيتسع له ، وينبسط ؛ كما ورد في الحديث ، ومن يرد إضلاله وخذلانه يجعل صدره [ ص: 134 ] في غاية الضيق والحرج ، فلا ينفذ إليه نور الإيمان ، وشبه ذلك بمن يصعد في السماء .

التالي السابق


الخدمات العلمية