صفحة جزء
( وقوله : وهو الغفور الودود ، وقوله : بسم الله الرحمن الرحيم ، ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما ، وكان بالمؤمنين رحيما ، ورحمتي وسعت كل شيء ، كتب ربكم على نفسه الرحمة ، وهو الغفور الرحيم ، فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين .


ش قوله : ( وهو الغفور . . ) إلخ ؛ تضمنت الآية إثبات اسمين من الأسماء الحسنى ، وهما : الغفور ، والودود .

[ ص: 139 ] أما الأول : فهو مبالغة في الغفر ، ومعناه : الذي يكثر منه الستر على المذنبين من عباده ، والتجاوز عن مؤاخذتهم .

وأصل الغفر : الستر ، ومنه يقال : الصبغ أغفر للوسخ ، ومنه : المغفر لسترة الرأس .

وأما الثاني : فهو من الود الذي هو خالص الحب وألطفه ، وهو إما من فعول بمعنى فاعل ، فيكون معناه : الكثير الود لأهل طاعته ، والمتقرب إليهم بنصره لهم ومعونته ، وإما من فعول بمعنى مفعول ، فيكون معناه : المودود لكثرة إحسانه ، المستحق لأن يوده خلقه فيعبدوه ويحمدوه .

وأما قوله : بسم الله الرحمن الرحيم وما بعدها من الآيات ؛ فقد تضمنت إثبات اسميه الرحمن والرحيم ، وإثبات صفتي الرحمة والعلم .

وقد تقدم في تفسير ( بسم الله الرحمن الرحيم ) الكلام على هذين الاسمين ، وبيان الفرق بينهما ، وأن أولهما دال على صفة الذات والثاني دال على صفة الفعل .

وقد أنكرت الأشاعرة والمعتزلة صفة الرحمة بدعوى أنها في المخلوق ضعف وخور وتألم للمرحوم ، وهذا من أقبح الجهل ، فإن الرحمة إنما تكون من الأقوياء للضعفاء ، فلا تستلزم ضعفا ولا خورا ؛ بل قد تكون مع غاية العزة والقدرة ، فالإنسان القوي يرحم ولده الصغير وأبويه الكبيرين ومن هو أضعف منه ، وأين الضعف والخور وهما من أذم الصفات من [ ص: 140 ] الرحمة التي وصف الله نفسه بها ، وأثنى على أوليائه المتصفين بها ، وأمرهم أن يتواصوا بها ؟ ! وقوله : ( ربنا وسعت . . ) إلخ ؛ من كلام الله عز وجل حكاية عن حملة العرش والذين حوله ، يتوسلون إلى الله عز وجل بربوبيته وسعة علمه ورحمته في دعائهم للمؤمنين ، وهو من أحسن التوسلات التي يرجى معها الإجابة .

ونصب قوله : ( رحمة وعلما ) على التمييز المحول عن الفاعل ، والتقدير : وسعت رحمتك وعلمك كل شيء ، فرحمته سبحانه وسعت في الدنيا المؤمن والكافر والبر والفاجر ، ولكنها يوم القيامة تكون خاصة بالمتقين ؛ كما قال تعالى : فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة . . الآية .

وقوله تعالى : كتب ربكم على نفسه الرحمة ؛ أي : أوجبها على نفسه تفضلا وإحسانا ، ولم يوجبها عليه أحد .

وفي حديث أبي هريرة في ( الصحيحين ) : إن الله لما خلق الخلق كتب كتابا ، فهو عنده فوق العرش : إن رحمتي سبقت أو تسبق غضبي .

[ ص: 141 ] وأما قوله : فالله خير حافظا ؛ فالحافظ والحفيظ مأخوذ من الحفظ ، وهو الصيانة ، ومعناه : الذي يحفظ عباده بالحفظ العام ، فييسر لهم أقواتهم ، ويقيهم أسباب الهلاك والعطب ، وكذلك يحفظ عليهم أعمالهم ، ويحصي أقوالهم ، ويحفظ أولياءه بالحفظ الخاص ، فيعصمهم عن مواقعة الذنوب ، ويحرسهم من مكايد الشيطان ، وعن كل ما يضرهم في دينهم ودنياهم .

وانتصب ( حافظا ) تمييزا لـ ( خير ) الذي هو أفعل تفضيل .

التالي السابق


الخدمات العلمية