صفحة جزء
( قوله : رضي الله عنهم ورضوا عنه ، ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وقوله : ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه ، فلما آسفونا انتقمنا منهم ، وقوله : ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم ، وقوله : كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون .


[ ص: 142 ] ش قوله : رضي الله عنهم . . إلخ ؛ تضمنت هذه الآيات إثبات بعض صفات الفعل من الرضى لله ، والغضب ، واللعن ، والكره ، والسخط ، والمقت ، والأسف .

وهي عند أهل الحق صفات حقيقية لله عز وجل ، على ما يليق به ، ولا تشبه ما يتصف به المخلوق من ذلك ، ولا يلزم منها ما يلزم في المخلوق .

فلا حجة للأشاعرة والمعتزلة على نفيها ، ولكنهم ظنوا أن اتصاف الله عز وجل بها يلزمه أن تكون هذه الصفات فيه على نحو ما هي في المخلوق ، وهذا الظن الذي ظنوه في ربهم أرداهم فأوقعهم في حمأة النفي والتعطيل .

والأشاعرة يرجعون هذه الصفات كلها إلى الإرادة ؛ كما علمت سابقا ، فالرضا عندهم إرادة الثواب ، والغضب والسخط . . إلخ إرادة العقاب .

وأما المعتزلة ؛ فيرجعونها إلى نفس الثواب والعقاب .

وقوله سبحانه : رضي الله عنهم ورضوا عنه إخبار عما يكون بينه وبين أوليائه من تبادل الرضا والمحبة .

أما رضاه عنهم ؛ فهو أعظم وأجل من كل ما أعطوا من النعيم ؛ كما قال سبحانه : ورضوان من الله أكبر .

[ ص: 143 ] وأما رضاهم عنه ؛ فهو رضا كل منهم بمنزلته مهما كان ، وسروره بها ؛ حتى يظن أنه لم يؤت أحد خيرا مما أوتي ، وذلك في الجنة .

وأما قوله : ومن يقتل مؤمنا متعمدا الآية ؛ فقد احترز بقوله : ( مؤمنا ) عن قتل الكافر ، وبقوله : ( متعمدا ) - أي : قاصدا لذلك ، بأن يقصد من يعلمه آدميا معصوما ، فيقتله بما يغلب على الظن موته به - عن القتل الخطأ .

وقوله : ( خالدا فيها ) ؛ أي : مقيما على جهة التأبيد ، وقيل : الخلود : المكث الطويل .

واللعن : هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله ، واللعين والملعون : من حقت عليه اللعنة ، أو دعي عليه بها .

وقد استشكل العلماء هذه الآيات من حيث إنها تدل على أن القاتل عمدا لا توبة له ، وأنه مخلد في النار ، وهذا معارض لقوله تعالى : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء .

وقد أجابوا عن ذلك بعدة أجوبة ؛ منها :

1 - أن هذا الجزاء لمن كان مستحلا قتل المؤمن عمدا .

2 - أن هذا هو الجزاء الذي يستحقه لو جوزي ، مع إمكان ألا يجازى ، بأن يتوب أو يعمل صالحا يرجح بعمله السيئ .

3 - أن الآية واردة مورد التغليظ والزجر .

4 - أن المراد بالخلود المكث الطويل كما قدمنا .

[ ص: 144 ] وقد ذهب ابن عباس وجماعة إلى أن القاتل عمدا لا توبة له ، حتى قال ابن عباس : ( إن هذه الآية من آخر ما نزل ، ولم ينسخها شيء ) .

والصحيح أن على القاتل حقوقا ثلاثة : حقا لله ، وحقا للورثة ، وحقا للقتيل .

فحق الله يسقط بالتوبة .

وحق الورثة يسقط بالاستيفاء في الدنيا أو العفو .

وأما حق القتيل ؛ فلا يسقط حتى يجتمع بقاتله يوم القيامة ، ويأتي رأسه في يده ، ويقول : يا رب سل هذا فيم قتلني ؟ وأما قوله : فلما آسفونا . . إلخ ؛ فالأسف يستعمل بمعنى شدة الحزن ، وبمعنى شدة الغضب والسخط ، وهو المراد في الآية .

والانتقام : المجازاة بالعقوبة ، مأخوذ من النقمة ، وهي شدة الكراهة والسخط .

التالي السابق


الخدمات العلمية