صفحة جزء
( وقوله : هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر [ ص: 145 ] هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك ، كلا إذا دكت الأرض دكا دكا وجاء ربك والملك صفا صفا ، ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا .


ش قوله : ( هل ينظرون . . ) في هذه الآيات إثبات صفتين من صفات الفعل له سبحانه ، وهما صفتا الإتيان والمجيء ، والذي عليه أهل السنة والجماعة الإيمان بذلك على حقيقته ، والابتعاد عن التأويل الذي هو في الحقيقة إلحاد وتعطيل .

ولعل من المناسب أن ننقل إلى القارئ هنا ما كتبه حامل لواء التجهم والتعطيل في هذا العصر ، وهو المدعو بزاهد الكوثري ؛ قال في حاشيته على كتاب ( الأسماء والصفات ) للبيهقي ما نصه : ( قال الزمخشري ما معناه : إن الله يأتي بعذاب في الغمام الذي ينتظر منه الرحمة ، فيكون مجيء العذاب من حيث تنتظر الرحمة أفظع وأهول ، وقال إمام الحرمين في معنى الباء كما سبق ، وقال الفخر الرازي : أن يأتيهم أمر الله ) . اهـ

[ ص: 146 ] فأنت ترى من نقل هذا الرجل عن أسلافه في التعطيل مدى اضطرابهم في التخريج والتأويل .

على أن الآيات صريحة في بابها ، لا تقبل شيئا من تلك التأويلات .

فالآية الأولى تتوعد هؤلاء المصرين على كفرهم وعنادهم واتباعهم للشيطان بأنهم ما ينتظرون إلا أن يأتيهم الله عز وجل في ظلل من الغمام لفصل القضاء بينهم ، وذلك يوم القيامة ، ولهذا قال بعد ذلك : وقضي الأمر والآية الثانية أشد صراحة ؛ إذ لا يمكن تأويل الإتيان فيها بأنه إتيان الأمر أو العذاب ؛ لأنه ردد فيها بين إتيان الملائكة وإتيان الرب ، وإتيان بعض آيات الرب سبحانه .

وقوله في الآية التي بعدها : وجاء ربك والملك صفا صفا لا يمكن حملها على مجيء العذاب ؛ لأن المراد مجيئه سبحانه يوم القيامة لفصل القضاء ، والملائكة صفوف ؛ إجلالا وتعظيما له ، وعند مجيئه تنشق السماء بالغمام ؛ كما أفادته الآية الأخيرة .

وهو سبحانه يجيء ويأتي وينزل ويدنو وهو فوق عرشه بائن من خلقه .

فهذه كلها أفعال له سبحانه على الحقيقة ، ودعوى المجاز تعطيل له عن فعله ، واعتقاد أن ذلك المجيء والإتيان من جنس مجيء المخلوقين وإتيانهم نزوع إلى التشبيه يفضي إلى الإنكار والتعطيل .

التالي السابق


الخدمات العلمية