صفحة جزء
[ ص: 147 ] ( وقوله : ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ، كل شيء هالك إلا وجهه .


ش قوله : ويبقى وجه ربك إلخ ، تضمنت هاتان الآيتان إثبات صفة الوجه لله عز وجل .

والنصوص في إثبات الوجه من الكتاب والسنة لا تحصى كثرة ، وكلها تنفي تأويل المعطلة الذين يفسرون الوجه بالجهة أو الثواب أو الذات ، والذي عليه أهل الحق أن الوجه صفة غير الذات ، ولا يقتضي إثباته كونه تعالى مركبا من أعضاء ، كما يقوله المجسمة ، بل هو صفة لله على ما يليق به ، فلا يشبه وجها ولا يشبهه وجه .

واستدلت المعطلة بهاتين الآيتين على أن المراد بالوجه الذات ؛ إذ لا خصوص للوجه في البقاء وعدم الهلاك .

ونحن نعارض هذا الاستدلال بأنه لو لم يكن لله عز وجل وجه على الحقيقة لما جاء استعمال هذا اللفظ في معنى الذات ؛ فإن اللفظ الموضوع لمعنى لا يمكن أن يستعمل في معنى آخر إلا إذا كان المعنى الأصلي ثابتا للموصوف ، حتى يمكن للذهن أن ينتقل من الملزوم إلى لازمه .

على أنه يمكن دفع مجازهم بطريق آخر ؛ فيقال : إنه أسند البقاء إلى الوجه ، ويلزم منه بقاء الذات ؛ بدلا من أن يقال : أطلق الوجه وأراد الذات .

[ ص: 148 ] وقد ذكر البيهقي نقلا عن الخطابي أنه تعالى لما أضاف الوجه إلى الذات ، وأضاف النعت إلى الوجه ، فقال : ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ؛ دل على أن ذكر الوجه ليس بصلة ، وأن قوله : ذو الجلال والإكرام صفة للوجه ، والوجه صفة للذات .

وكيف يمكن تأويل الوجه بالذات أو بغيرها في مثل قوله عليه السلام في حديث الطائف : أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات . . إلخ ، وقوله فيما رواه أبو موسى الأشعري : حجابه النور أو النار ، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه ؟ !

التالي السابق


الخدمات العلمية