صفحة جزء
( وقوله : ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ، وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء .


[ ص: 149 ] ش قوله : ( ما منعك ) إلخ ؛ تضمنت هاتان الآيتان إثبات اليدين صفة حقيقية له سبحانه على ما يليق به ، فهو في الآية الأولى يوبخ إبليس على امتناعه عن السجود لآدم الذي خلقه بيديه .

ولا يمكن حمل اليدين هنا على القدرة ؛ فإن الأشياء جميعا حتى إبليس خلقها الله بقدرته ، فلا يبقى لآدم خصوصية يتميز بها .

وفي حديث عبد الله بن عمرو : إن الله عز وجل خلق ثلاثة أشياء بيده : خلق آدم بيده ، وكتب التوراة بيده ، وغرس جنة عدن بيده .

فتخصيص هذه الثلاثة بالذكر مع مشاركتها لبقية المخلوقات في وقوعها بالقدرة دال على اختصاصها بأمر زائد .

وأيضا ؛ فلفظ اليدين بالتثنية لم يعرف استعماله إلا في اليد الحقيقية ، ولم يرد قط بمعنى القدرة أو النعمة ؛ فإنه لا يسوغ أن يقال : خلقه الله بقدرتين أو بنعمتين ، على أنه لا يجوز إطلاق اليدين بمعنى النعمة أو القدرة [ ص: 150 ] أو غيرهما إلا في حق من اتصف باليدين على الحقيقة ، ولذلك لا يقال : للريح يد ، ولا للماء يد .

وأما احتجاج المعطلة بأن اليد قد أفردت في بعض الآيات ، وجاءت بلفظ الجمع في بعضها ؛ فلا دليل فيه ؛ فإن ما يصنع بالاثنين قد ينسب إلى الواحد ؛ تقول : رأيت بعيني ، وسمعت بأذني ، والمراد : عيناي ، وأذناي ، وكذلك الجمع يأتي بمعنى المثنى أحيانا ؛ كقوله تعالى : إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما ، والمراد : قلباكما .

وكيف يتأتى حمل اليد على القدرة أو النعمة مع ما ورد من إثبات الكف والأصابع واليمين والشمال والقبض والبسط وغير ذلك مما لا يكون إلا لليد الحقيقية ؟ ! وفي الآية الثانية يحكي الله سبحانه مقالة اليهود قبحهم الله في ربهم ، ووصفهم إياه - حاشاه - بأن يده مغلولة ؛ أي : ممسكة عن الإنفاق .

ثم أثبت لنفسه سبحانه عكس ما قالوا ، وهو أن يديه مبسوطتان بالعطاء ؛ ينفق كيف يشاء ؛ كما جاء في الحديث : إن يمين الله ملأى سحاء الليل والنهار ، لا تغيضها نفقة .

[ ص: 151 ] ترى لو لم يكن لله يدان على الحقيقة ؛ هل كان يحسن هذا التعبير ببسط اليدين ؟ ! ألا شاهت وجوه المتأولين ! !

التالي السابق


الخدمات العلمية