صفحة جزء
( وقوله : وهو شديد المحال ، وقوله : ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ، وقوله : [ ص: 156 ] ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون ، وقوله : إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا .


ش وقوله : وهو شديد المحال . . إلخ ؛ تضمنت هذه الآيات إثبات صفتي المكر والكيد ، وهما من صفات الفعل الاختيارية .

ولكن لا ينبغي أن يشتق له من هاتين الصفتين اسم ، فيقال : ماكر ، وكائد ؛ بل يوقف عند ما ورد به النص من أنه خير الماكرين ، وأنه يكيد لأعدائه الكافرين .

أما قوله سبحانه : وهو شديد المحال ؛ فمعناه : شديد الأخذ بالعقوبة ؛ كما في قوله تعالى : إن بطش ربك لشديد ، إن أخذه أليم شديد .

وقال ابن عباس : ( معناه : شديد الحول ) ، وقال مجاهد : ( شديد القوة ) ، والأقوال متقاربة .

[ ص: 157 ] وأما قوله : والله خير الماكرين ؛ فمعناه : أنفذهم وأسرعهم مكرا .

وقد فسر بعض السلف مكر الله بعباده بأنه استدراجهم بالنعم من حيث لا يعلمون ، فكلما أحدثوا ذنبا أحدث لهم نعمة ؛ وفي الحديث : إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا ما يحب وهو مقيم على معصيته ؛ فاعلم أنما ذلك منه استدراج .

وقد نزلت هذه الآية في شأن عيسى عليه السلام حين أراد اليهود قتله ، فدخل بيتا فيه كوة ، وقد أيده الله بجبريل عليه السلام ، فرفعه إلى السماء من الكوة ، فدخل عليه يهوذا ؛ ليدلهم عليه فيقتلوه ، فألقى الله شبه عيسى على ذلك الخائن ، فلما دخل البيت فلم يجد فيه عيسى ؛ خرج إليهم وهو يقول : ما في البيت أحد ، فقتلوه وهم يرون أنه عيسى ، فذلك قوله تعالى : ومكروا ومكر الله .

وأما قوله تعالى : ومكروا مكرا . . إلخ ؛ فهي في شأن الرهط التسعة من قوم صالح عليه السلام حين تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله [ ص: 158 ] أي : ليقتلنه بياتا هو وأهله ، ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله ، فكان عاقبة هذا المكر منهم أن مكر الله بهم فدمرهم وقومهم أجمعين .

التالي السابق


الخدمات العلمية