صفحة جزء
( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ، وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ، [ ص: 186 ] يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل ، واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ، وقوله : إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون ، وهذا كتاب أنزلناه مبارك ، لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله ، وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ) .


ش قوله : وإن أحد من المشركين . . إلخ ؛ هذه الآيات الكريمة تفيد أن القرآن المتلو المسموع المكتوب بين دفتي المصحف هو كلام الله [ ص: 187 ] على الحقيقة ، وليس فقط عبارة أو حكاية عن كلام الله ؛ كما تقول الأشعرية .

وإضافته إلى الله عز وجل تدل على أنه صفة له قائمة به ، وليست كإضافة البيت أو الناقة ؛ فإنها إضافة معنى إلى الذات ، تدل على ثبوت المعنى لتلك الذات ؛ بخلاف إضافة البيت أو الناقة ؛ فإنها إضافة أعيان ، وهذا يرد على المعتزلة في قولهم : إنه مخلوق منفصل عن الله .

ودلت هذه الآيات أيضا على أن القرآن منزل من عند الله ، بمعنى أن الله تكلم به بصوت سمعه جبريل عليه السلام ، فنزل به ، وأداه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سمعه من الرب جل شأنه .

وخلاصة القول في ذلك : أن القرآن العربي كلام الله ، منزل ، غير مخلوق ، منه بدأ ، وإليه يعود ، والله تكلم به على الحقيقة ، فهو كلامه حقيقة لا كلام غيره ، وإذا قرأ الناس القرآن أو كتبوه في المصاحف لم يخرجه ذلك عن أن يكون كلام الله ؛ فإن الكلام إنما يضاف حقيقة إلى من قاله مبتدئا ، لا إلى من بلغه مؤديا ، والله تكلم بحروفه ومعانيه بلفظ نفسه ، ليس شيء منه كلاما لغيره ، لا لجبريل ، ولا لمحمد ، ولا لغيرهما ، والله تكلم به أيضا بصوت نفسه ، فإذا قرأه العباد قرءوه بصوت أنفسهم ، فإذا قال القارئ مثلا : الحمد لله رب العالمين ؛ كان هذا الكلام المسموع منه كلام الله ، لا كلام نفسه ، وكان هو قرأه بصوت نفسه لا بصوت الله .

[ ص: 188 ] وكما أن القرآن كلام الله ، فكذلك هو كتابه ؛ لأنه كتبه في اللوح المحفوظ ، ولأنه مكتوب في المصاحف ؛ قال تعالى : إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون ، وقال : بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ ، وقال : في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة .

والقرآن في الأصل مصدر كالقراءة ؛ كما في قوله تعالى : إن قرآن الفجر كان مشهودا .

ويراد به هنا أن يكون علما على هذا المنزل من عند الله ، المكتوب بين دفتي المصحف ، المتعبد بتلاوته ، المتحدى بأقصر سورة منه .

وقوله : قل نزله روح القدس من ربك بالحق يدل أن ابتداء نزوله من عند الله عز وجل ، وأن روح القدس جبريل عليه السلام تلقاه عن الله سبحانه بالكيفية التي يعلمها .

التالي السابق


الخدمات العلمية