فصل  
أخبر الناس بمقالات الفلاسفة قد حكى  
اتفاق الحكماء على أن الله والملائكة في السماء  كما اتفقت على ذلك الشرائع ، وورد ذلك بطريق عقلي من جنس تقرير  
ابن كلاب   nindex.php?page=showalam&ids=15166، والحارث المحاسبي  وأبي العباس القلانسي   nindex.php?page=showalam&ids=13711وأبي الحسن الأشعري  ،  
 nindex.php?page=showalam&ids=12604والقاضي أبي بكر الباقلاني  ،  
وأبي الحسن بن الزاغوني  ، وغيرهم ممن يقول بأن  
الله فوق العرش وليس مجسم  ، قال هؤلاء :  
وإثبات صفة العلو والفوقية له سبحانه لا يوجب الجسمية  ، بل ولا إثبات المكان ، وبنى الفلاسفة ذلك على ما ذكره  
ابن رشد  أن المكان هو السطح الباطن من الجسم الحاوي الملاقي للسطح الظاهر من جسم المحوي ، فكان الإنسان عندهم هو باطن الهواء المحيط به ، وكل سطح باطن فهو مكان للسطح الظاهر مما يلاقيه ، ومعلوم أنه ليس وراء الأجسام سطح جسم باطن يحوي شيئا ; فلا مكان      
[ ص: 204 ] هناك ، إذ لو كان هناك مكان حاو لسطح الجسم لكان الحاوي جسما ، ولهذا قال : فإذا قام البرهان على وجود موجود في هذه الجهة فواجب أن يكون غير جسم ، فالذي يمتنع وجوده هناك هو وجود جسم لا وجود ما ليس بجسم ، وقرر إمكان ذلك كما قرر إثباته بما ذكر من أنه لا بد من نسبة بينه وبين العالم المحسوس ، فيجب أن يكون في جهة العلو والذي يمكن منازعوه من الفلاسفة  
والجهمية   والمعتزلة   أن يقولوا : لا يمكن أن يوجد هناك شيء لا جسم ولا غير جسم ، أما غير الجسم فلما ذكر ، وأما الجسم فلأن كونه مشارا إليه بأنه هناك يستلزم أن يكون جسما ، وحينئذ فيقول هؤلاء المثبتون لمن ينازعهم في ذلك : وجود موجود قائم بنفسه ليس وراء أجسام العالم ، ولا داخلا في العالم إما أن يكون ممكنا أو لا يكون ، فإن لم يكن ممكنا بطل قولكم ، وإن كان ممكنا فوجود موجود وراء أجسام للعالم وليس بجسم أولى بالجواز ، ثم إذا عرضنا على العقل وجود موجود قائم بنفسه لا في العالم ولا خارجا عنه ولا يشار إليه ، وعرضنا عليه وجود موجود يشار إليه فوق العالم ليس بجسم كان إنكار العقل للأول القبول وجب قبول الثاني ، وإن كان الثاني مردودا وجب رد الأول ، ولا يمكن العقل الصريح أن يقبل الأول ويرد الثاني أبدا .