هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
وإن قلتم : جعلناه إلها من قول متى في الإنجيل : إن ابن الإنسان يرسل ملائكته ويجمعون كل الملوك فيلقونهم في أتون النار .

[ ص: 513 ] قيل : هذا كالذي قبله ، ولم يرد أن المسيح هو رب الأرباب ولا أنه خالق الملائكة ، ومما يشهد لذلك وأن الضمير في الهاء من الملائكة راجع إلى الله لا إلى المسيح ، قول مرقس في إنجيله في هذا المحل في هذا المعنى : فابن الإنسان يفضحه إذا جاء في محرابه وملائكته المقدسين ، فافهم ذلك .

ويمكن أن يجعل الله المسيح سفيرا بينه وبين بعض ملائكة العذاب في جميع ملوك الكفر من المنتسبين لدينه من عرصات القيامة وإدخالهم النار .

والضمير في الملائكة عائد إلى الله لا إلى المسيح ، وإنما القوم جهلة بمقام الربوبية ومقام الملائكة ، واللسان العربي المترجم به عن لغتهم ومن يضلل الله فما له من هاد وحاش لله أن يطلق عليه أنه رب الملائكة بل هذا من أقبح الكذب والافتراء ، بل ورب الملائكة أوصاهم بحفظ المسيح وتأييده بشهادة النبي القائل عندهم : إن الله يوصي ملائكته بك ليحفظوك . ثم بشهادة لوقا : إن الله أرسل له ملكا من السماء ليقويه .

[ ص: 514 ] هذا الذي نطقت به الكتب ، فحرف الكذابون على الله وعلى مسيحه ذلك ، ونسبوا إلى الأنبياء أنهم قالوا : هو رب الملائكة .

وإذا شهد الإنجيل واتفق الأنبياء والرسل أن الله يوصي ملائكته بالمسيح ليحفظوه ، علم أن الملائكة والمسيح عبيد الله منقادون لأمره ، ليسوا أربابا ولا آلهة .

وقال المسيح لتلامذته : من قبلكم فقد قبلني ، ومن قبلني فقد قبل من أرسلني .

وقال المسيح لتلامذته أيضا : من أنكرني قدام الناس أنكرته قدام الملائكة .

وقال للذي يضرب عند رئيس الكهنة : اغمد سيفك . ولا تظن أني لا أستطيع أن أدعو الله الأب فيقيم لي أكثر من اثني عشر من الملائكة .

فهل يقول هذا من هو رب الملائكة وإلههم وخالقهم ؟

التالي السابق


الخدمات العلمية