هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
( فصل ) : وكان من رؤساء النصارى الذين دخلوا في الإسلام لما تبين لهم أنه الحق ، الرئيس المطاع في قومه عدي بن حاتم الطائي .

[ ص: 266 ] ونحن نذكر قصته كما رواها الإمام أحمد والترمذي والحاكم وغيرهم . قال عدي بن حاتم : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد ، فقال القوم : هذا عدي بن حاتم - وجئت بغير أمان ولا كتاب - فلما دفعت إليه أخذ بيدي ، وقد كان قبل ذلك قال : إني لأرجو أن يجعل الله يده في يدي ، قال : فقام ، فلقيته امرأة وصبي معها ، فقالا : إن لنا إليك حاجة ، فقام معهما حتى قضى حاجتها ، ثم أخذ بيدي حتى أتى بي داره فألقت له الوليدة وسادة ، فجلس عليها ، وجلست بين يديه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : ما يضرك أن تقول لا إله إلا الله ، فهل تعلم من إله سوى الله ، قال : قلت : لا ، ثم تكلم ساعة ، ثم قال : ما تضر أن يقال : الله أكبر وهل تعلم أن شيئا أكبر من الله ؟ قال : قلت لا . قال : فإن اليهود مغضوب عليهم وإن النصارى ضلال . قال : فقلت : فإني حنيف مسلم ، قال : فرأيت وجهه ينبسط فرحا ، قال : ثم أمر بي فأنزلت عند رجل من الأنصار ، وجعلت أغشاه أي آتيه طرفي النهار ، قال : فبينا أنا عنده عشية إذ جاءه قوم في ثياب من الصوف من هذه النمار . قال : فصلى وقام فحث عليهم . ثم قال : ولو بصاع ، ولو بنصف صاع ، ولو بقبضة ، ولو بنصف قبضة يقي أحدكم وجهه حر جهنم أو النار ، ولو بتمرة ، ولو بشق تمرة ، فإن أحدكم لاقي الله وقائل له ما أقول لكم : [ ص: 267 ] ألم أجعل لك سمعا وبصرا ؟ فيقول : بلى يا رب ، فيقول : ألم أجعل لك مالا وولدا ؟ فيقول : بلى ، فيقول : أين ما قدمت لنفسك ؟ ! فينظر قدامه وبعده وعن يمينه وعن شماله ، ثم لا يجد شيئا يقي وجهه ، ليق أحدكم وجهه النار ولو بشق تمرة ، فإن لم يجد فبكلمة طيبة ، فإني لا أخاف عليكم الفاقة ، فإن الله ناصركم ومعطيكم حتى تسير الظعينة ، فيما بين يثرب والحيرة أكثر ما يخاف على مطيتها السرق . قال : فجعلت أقول في نفسي فأين لصوص طي ؟ . وكان عدي مطاعا في قومه بحيث يأخذ المرباع من غنائمهم .

وقال حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن محمد بن سيرين قال : قال أبو عبيدة بن حذيفة : قال عدي بن حاتم : بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فكرهته أشد ما كرهت شيئا قط ، فخرجت حتى أتيت أقصى أرض العرب مما يلي الروم ، ثم كرهت مكاني أشد مما كرهت مكاني الأول ، فقلت : لو أتيت فسمعت منه ، فأتيت المدينة فانتشر في الناس ، وقالوا : جاء [ ص: 268 ] عدي بن حاتم الطائي ! فقال : يا عدي أسلم تسلم ، فقلت : إني على دين ، قال : أنا أعلم بدينك منك ، قلت : أنت أعلم بديني مني ؟ قال : نعم ، قال هذا ثلاثا ، قال : ألست ركوسيا ؟ قلت : بلى ، قال : ألست ترأس قومك ؟ ، قلت : بلى ، قال : ألست تأخذ المرباع ، قلت بلى ، قال : فإن ذلك لا يحل لك في دينك ، قال : فوجدت بها علي غضاضة ، ثم قال : لعله أن يمنعك أن تسلم أن ترى عندنا خصاصة ، وترى الناس علينا ألبا واحدا ، هل رأيت الحيرة ؟ قلت : لم أرها وقد علمت مكانها ، قال : فإن الظعينة سترحل من الحيرة تطوف بالبيت بغير جوار ، ولتفتحن علينا كنوز كسرى بن هرمز ، قلت : كسرى بن هرمز ؟ قال : كنوز كسرى بن هرمز ، وليفيض المال حتى يهم الرجل من يقبل منه صدقته ، قال : فرأيت الظعينة ترحل من الحيرة بغير جوار ، وكنت في أول خيل أغارت على المدائن ، ووالله لتكونن الثالثة . إنه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية