هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
[ ص: 550 ] وملك معهما قسطنطين أبو قسطنطين ، وكان دينا مبغضا للأصنام محبا للنصارى ، فخرج إلى ناحية الجزيرة والرها ، فنزل في قرية من قرى الرها ، فرأى هناك امرأة جميلة يقال لها : هيلانة ، وكانت قد تنصرت على يد أسقف الرها ، وتعلمت قراءة الكتب فخطبها قسطنطين من أبيها فزوجها منه فحبلت منه ، وولدت قسطنطين فتربى بالرها ، وتعلم حكمة اليونان ، وكان جميل الوجه قليل الشر محبا للحكمة .

وكان علانيوس ملك الروم حينئذ رجلا فاجرا شديد البأس ، مبغضا للنصارى جدا ، كثير القتل منهم ، محبا للنساء ، لم يترك للنصارى بنتا جميلة إلا أفسدها وكذلك أصحابه ، وكان النصارى في جهد شديد معهم ، فبلغه خبر قسطنطين وأنه غلام هادئ قليل الشر كثير الخير كثير العلم ، وأخبره المنجمون والكهنة أنه سيملك ملكا عظيما ، فهم بقتله فهرب قسطنطين من الرها ، ووصل إلى أبيه فسلم إليه الملك ، ثم مات أبوه ، وصب الله على علانيوس أنواعا من البلاء ، حتى تعجب الناس مما ناله ، ورحمه أعداؤه مما حل به ، فرجع إلى نفسه ، وقال : لعل هذا بسبب ظلم النصارى ، فكتب إلى جميع عماله أن يطلقوا النصارى من الحبوس ، وأن يكرموهم ويسألوهم أن يدعوا له في صلاتهم ، فوهب الله له العافية ، ورجع إلى أفضل ما كان عليه من الصحة والقوة ، فلما صح وقوي رجع إلى شر ما كان عليه ، وكتب إلى عماله أن يقتلوا النصارى ، وأن لا يدعوا في مملكتهم نصرانيا ، ولا يسكنوا له مدينة ولا قرية ، فكان القتلى يحملون على العجل ويرمى بهم في البحر والصحارى .

التالي السابق


الخدمات العلمية