هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
[ ص: 551 ] وأما قيصر الآخر الذي كان معه ، فكان شديدا على النصارى ، واستعبد من كان برومية من النصارى ، ونهب أموالهم ، وقتل رجالهم ونساءهم وصبيانهم ، فلما سمع أهل رومية بقسطنطين أنه مبغض للشر محب للخير ، وأن أهل مملكته معه في هدوء وسلامة ، كتب رؤساؤهم إليه يسألونه أن يخلصهم من عبودية ملكهم ، فلما قرأ كتبهم اغتم غما شديدا وبقي متحيرا لا يدري كيف يصنع .

قال سعيد بن البطريق : فظهر له بنصف النهار في السماء صليب من كوكب مكتوبا حوله : بهذا تغلب ، فقال لأصحابه : رأيتم ما رأيته ؟ قالوا : نعم ، فآمن حينئذ بالنصرانية ، فتجهز لمحاربة قيصر المذكور ، وصنع صليبا كبيرا من ذهب وصيره على رأس البند ، وخرج بأصحابه فأعطي النصر على قيصر ، فقتل من أصحابه مقتلة عظيمة ، وهرب الملك ومن بقي من أصحابه ، فخرج أهل رومية إلى قسطنطين بالإكليل الذهب ، وبكل أنواع اللهو واللعب ، فتلقوه وفرحوا به فرحا عظيما ، فلما دخل المدينة أكرم النصارى ، وردهم إلى بلادهم بعد النفي والتشريد ، وأقام أهل رومية سبعة أيام يعبدون للملك والصليب ، فلما سمع علانيوس جمع جموعه وتجهز لقتال قسطنطين ، فلما وقعت العين في العين انهزموا ، وأخذتهم السيوف ، وأفلت علانيوس فلم يزل من قرية إلى قرية حتى وصل إلى بلده ، فجمع السحرة والكهنة والعرافين الذين كان يحبهم ويقبل منهم ، فضرب أعناقهم لئلا يقعوا في يد قسطنطين .

التالي السابق


الخدمات العلمية