هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
ثم كان لهم بعد هذا مجمع خامس ، وذلك أنه كان بالقسطنطينية طبيب راهب يقال له : أوطيسوس يقول : إن جسد المسيح ليس هو من أجسادنا بالطبيعة ، فإن المسيح قبل التجسد من طبيعتين ، وبعد التجسد طبيعة واحدة ، وهو أول من أحدث هذه المقالة وهي مقالة اليعقوبية ، فرحل إليه بعض الأساقفة ، فناظره وقطعه ودحض حجته .

ثم صار إلى قسطنطينية فأخبر بتركها بالمناظرة وبانقطاعه ، فأرسل بترك قسطنطينية إليه فاستحضره ، وجمع جمعا عظيما وناظره ، فقال أوطيسوس : إن قلنا إن للمسيح طبيعتين فقد قلنا بقول نسطورس ، ولكنا نقول : إن المسيح طبيعة واحدة وأقنوم واحد ، لأنه [ ص: 566 ] من طبيعتين كانتا قبل التجسد زالت عنه وصار من طبيعة واحدة وأقنوم واحد . فقال له بترك القسطنطينية : إن كان المسيح طبيعة واحدة ، فالطبيعة الواحدة هي الطبيعة القديمة ، وهي الطبيعة المحدثة ، وإن كان القديم هو المحدث فالذي لم يزل هو الذي لم يكن ، ولو جاز أن يكون القديم هو المحدث لكان القائم هو القاعد ، والحار هو البارد ، فأبى أن يرجع عن مقالته فلعنوه ، فاستعدى إلى الملك ، وزعم أنهم ظلموه ، وسأله أن يكتب إلى جميع البتاركة للمناظرة ، فاستحضر الملك البتاركة والأساقفة من سائر البلاد إلى مدينة أفسس ، فثبت بترك الإسكندرية مقالة أوطيسوس ، وقطع بتاركة القسطنطينية وأنطاكية وبيت المقدس وسائر البتاركة والأساقفة ، وكتب إلى بترك رومية وإلى جماعة الكهنة ، فحرمهم ومنعهم من القربان ، إن لم يقبلوا مقالة أوطيسوس ، وفسدت الأمانة وصارت المقالة مقالة أوطيسوس وخاصة بمصر والإسكندرية وهو مذهب اليعقوبية .

فافترق هذا المجمع الخاص ، وكل فريق يلعن الآخر ويحرمه ويتبرأ من مقالته .

التالي السابق


الخدمات العلمية