هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
( فصل ) : وكذلك ملك دين النصرانية بمصر عرف أنه نبي صادق ، ولكن منعه من اتباعه ملكه ، وأن عباد الصليب لا يتركون عبادة الصليب . ونحن نسوق حديثه وقصته

قال الواقدي : كتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم :

[ ص: 281 ] بسم الله الرحمن الرحيم

من محمد بن عبد الله إلى المقوقس عظيم القبط

سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد :

فإني أدعوك بدعاية الإسلام ، أسلم تسلم ، يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فإن عليك إثم القبط .

ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون وختم الكتاب .

فخرج به حاطب حتى قدم عليه الإسكندرية ، فانتهى إلى حاجبه فلم يلبث أن أوصل إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال حاطب للمقوقس لما لقيه : إنه قد كان قبلك رجل يزعم أنه الرب الأعلى فأخذه الله نكال الآخرة والأولى فانتقم به ، ثم انتقم منه ، فاعتبر بغيرك ولا يعتبر بك غيرك . قال : هات ، قال : إن لنا دينا لم ندعه إلا لما [ ص: 282 ] هو خير منه وهو الإسلام الكافي به الله فقد ما سواه ، إن هذا النبي دعا الناس فكان أشدهم عليه إنكاراقريش وأعداهم له اليهود ، وأقربهم منه النصارى ، ولعمري ما بشارة موسى بعيسى إلا كبشارة عيسى بمحمد . وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل ، وكل نبي أدرك قوما فهم من أمته ، فالحق عليهم أن يطيعوه ، وأنت ممن أدرك هذا النبي ، ولسنا ننهاك عن دين المسيح ولكنا نأمرك به . فقال المقوقس : إني قد نظرت في أمر هذا النبي ، فرأيته لا يأمر بمزهود فيه ولا ينهى عن مرغوب عنه ، ولم أجده بالساحر الضال ، ولا الكاهن الكاذب ، ووجدت معه آلة النبوة ، من إخراج الخبء ، والإخبار بالنجوى ، ووصف لحاطب أشياء من صفة النبي صلى الله عليه وسلم .

وقال : القبط لا يطاوعوني في اتباعه ، ولا أحب أن تعلم بمحاورتي إياك ، وأنا أضن بملكي أن أفارقه ، وسيظهر على البلاد وينزل بساحتنا هذه أصحابه من بعده ، فارجع إلى صاحبك .

وأخذ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم فجعله في حق من عاج وختم عليه ودفعه إلى جاريته ، ثم دعا كاتبا له يكتب بالعربية فكتب :

( بسم الله الرحمن الرحيم

لمحمد بن عبد الله ، من المقوقس عظيم القبط ، سلام عليك ، أما بعد :

فقد قرأت كتابك ، وفهمت ما ذكرت فيه ، وما تدعو إليه ، وقد علمت أن نبيا بقي ، وكنت أظن أنه يخرج بالشام ، وقد أكرمت رسولك وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم ، [ ص: 283 ] وبكسوة ، وأهديت إليك بغلة لتركبها ، والسلام عليك ) ولم يرده إلا مكرما والجاريتان : مارية وسيرين ، والبغلة : دلول ، وبقيت إلى زمن معاوية .

قال حاطب : فذكرت قوله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ضن الخبيث بملكه ولا بقاء لملكه
.

التالي السابق


الخدمات العلمية