هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
( فصل ) : وهذه الطرق يسلكها من يساعدهم على أنهم لم يحرفوا ألفاظ التوراة والإنجيل ولم يبدلوها ، فيسلكها بعض نظار المسلمين معهم من غير تعرض إلى التبديل والتحريف .

وطائفة أخرى تزعم أنهم بدلوا وحرفوا كثيرا من ألفاظ الكتابين ، مع أن الغرض الحامل لهم على ذلك دون الغرض الحامل لهم على تبديل البشارة برسول الله صلى الله عليه وسلم بكثير ، وإن البشارات لكثرتها لم يمكنهم إخفاءها كلها وتبديلها ، ففضحهم ما عجزوا عن كتمانه أو تبديله . وكيف تنكر الأمة الغضبية قتلة الأنبياء الذين رموهم بالعظائم أن ينكروا نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفته وقد جحدوا بنبوة المسيح ورموه وأمه بالعظائم ، ونعته [ ص: 416 ] والبشارة به موجود في كتبهم ؟ ومع هذا أطبقوا على جحد نبوته ، وإنكار بشارة الأنبياء به ، ولم يفعل بهم ما فعله محمد صلى الله عليه وسلم من القتل والسبي وغنيمة الأموال ، وتخريب الديار وإجلائهم منها ، فكيف لا تتواصى هذه الأمة بكتمان بعثه وصفته ، وتبدله من كتبهم ؟ وقد نعى الله سبحانه وتعالى عليهم ذلك في غير موضع من كتابه ولعنهم عليه .

ومن العجب أنهم والنصارى يقرون أن التوراة كانت طول مملكة بني إسرائيل عند الكاهن الأكبر الهاروني وحده ، واليهود تقر أن السبعين كاهنا اجتمعوا على اتفاق من جميعهم على تبديل ثلاثة عشر حرفا من التوراة ، وذلك بعد المسيح في عهد القياصرة الذين كانوا تحت قهرهم ، حيث زال الملك عنهم ، ولم يبق لهم ملك يخافونه ويأخذ على أيديهم ، ومنهم من يقول : بلى وهو بخت نصر حين ألزمهم بكتابة التوراة لطائفة من جماعته حين أسكنهم بيت المقدس وعلى تقدير الروايتين فمن رضي بتبديل موضع واحد من كتاب الله فلا يؤمن منه تحريف غيره ، واليهود تقر أن السامرة حرفوا مواضع في التوراة وبدلوها تبديلا ظاهرا وزادوا ونقصوا ، والسامرة تدعي ذلك عليهم .

وأما الإنجيل فقد تقدم أن الذي بأيدي النصارى منه أربع كتب مختلفة ، من تأليف أربعة رجال : يوحنا ومتى ، ومرقس ، ولوقا ، فكيف ينكر تطرق التبديل والتحريف إليها ؟ وعلى ما فيها من ذلك فقد صرفهم الله عن تبديل ما ذكرنا من البشارات بمحمد بن عبد الله وإزالته ، وإن قدروا على كتمانه على أتباعهم وجهالهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية