هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
وفي التوراة التي بأيديهم من التحريف والتبديل وما لا تجوز نسبته إلى الأنبياء [ ص: 417 ] ما لا يشك فيه ذو بصيرة ، والتوراة التي أنزلها الله على موسى بريئة من ذلك ، ففيها عن لوط رسول الله أنه خرج من المدينة وسكن في كهف الجبل ، ومعه ابنتاه ، فقالت الصغرى للكبرى : قد شاخ أبونا فارقدي بنا معه لنأخذ منه نسلا ، فرقدت معه الكبرى ثم الصغرى ، ثم فعلتا ذلك في الليلة الثانية ، وحملتا منه بولدين موآب وعمون .

فهل يحسن أن يكون نبي رسول كريم على الله يوقعه الله سبحانه وتعالى في مثل هذه الفاحشة العظيمة في آخر عمره ، ثم يذيعها عنه ويحكيها للأمم ؟

وفيها : أن الله تجلى لموسى في طور سيناء ، وقال له بعد كلام كثير : أدخل يدك في حجرك وأخرجها مبروصة كالثلج . وهذا من النمط الأول ، والله سبحانه لم يتجل لموسى وإنما أمره أن يدخل يده في جيبه وأخبره بأنها تخرج بيضاء من غير سوء أي من غير برص .

وفيها أن هارون هو الذي صاغ لهم العجل ، وهذا إن لم يكن من زيادتهم وافترائهم فهارون اسم السامري الذي صاغه ليس هو بهارون أخي موسى .

وفيها : أن الله قال لإبراهيم : اذبح ابنك بكرك إسحاق ، وهذا من بهتهم وزيادتهم وافترائهم في كلام الله سبحانه وتعالى ، وقد جمعوا بين النقيضين ، فإن بكره هو إسماعيل فإنه بكر أولاده ، وإسحاق إنما بشر به على الكبر بعد قضية الذبح .

[ ص: 418 ] وفيها : ورأى الله أن قد كثر فساد الآدميين في الأرض ، فندم على خلقهم ، وقال : سأذهب الآدميين الذين خلقت على الأرض والخشاش وطيور السماء لأني نادم على خلقها جدا . تعالى الله عن إفك المفترين ، وعما يقول الظالمون علوا كبيرا .

وفيها : أن الله سبحانه وتعالى علوا كبيرا ، تصارع مع يعقوب فضرب به يعقوب الأرض .

وفيها : أن يهودا بن يعقوب النبي زوج ولده الأكبر من امرأة يقال لها تامار ، فكان يأتيها مستدبرا فغضب الله من فعله فأماته ، فزوج يهودا ولده الآخر بها فكان إذا دخل بها أمنى على الأرض علما بأنه إن أولدها كان أول الأولاد مدعوا باسم أخيه ومنسوبا إلى أخيه ، فكره الله ذلك من فعله فأماته ، وأمرها يهودا باللحاق ببيت أبيها إلى أن يكبر شيلا ولده ويتم عقله ، ثم ماتت زوجة يهودا وذهب إلى منزله ليجز غنمه ، فلما أخبرت تامار لبست زي الزواني وجلست على طريقه ، فلما مر بها ظنها زانية فراودها فطالبته بالأجرة فوعدها بجدي ، ورمى عندها عصاه وخاتمه فدخل بها فعلقت منه بولد . ومن هذا الولد كان داود النبي .

فقد جعلوه ولد زنا ، كما جعلوا المسيح ولد زنا ، ولم يكفهم ذلك حتى نسبوا ذلك إلى التوراة ، وكما جعلوا ولدي لوط ولدي زنا ، ثم نسبوا داود وغيره من أنبيائهم إلى ذينك الوالدين .

وأما فريتهم على الله ورسله وأنبيائه ورميهم لرب العالمين ورسله بالعظائم فكثير جدا ، كقولهم : إن الله استراح في اليوم السابع من خلق السماوات والأرض ، [ ص: 419 ] فأنزل الله تعالى تكذيبهم بقوله : وما مسنا من لغوب ، وقولهم : إن الله فقير ونحن أغنياء ، وقولهم : إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار وقولهم لن تمسنا النار إلا أياما معدودة .

وقولهم : إن الله تعالى بكى على الطوفان حتى رمدت عيناه وعادته الملائكة .

وقولهم الذي حكيناه آنفا : إن الله ندم على خلق بني آدم وأدخلوا هذه الفرية في التوراة ، وقولهم عن لوط : أنه وطئ ابنتيه وأولدهما ولدين نسبوا إليهما جماعة من الأنبياء ، وقولهم في بعض دعاء صلواتهم : انتبه كم تنام يا رب ؟ استيقظ من رقدتك ؟ .

فتجرءوا على رب العالمين بهذه المناجاة القبيحة ، كأنهم يناجونه بذلك لينتخي لهم ويحتمي ، كأنهم يخبرونه أنه قد اختار الخمول لنفسه وأحبائه به فيهزءونه بهذا الخطاب للنباهة واشتهار الصيت . قال بعض أكابرهم بعد إسلامه : فترى أحدهم إذا تلا هذه الكلمات في الصلاة يقشعر جلده ، ولا يشك أن كلامه يقع عند الله بموقع عظيم ، وإنه يؤثر في ربه ويحركه ويهزه وينخيه . فكذبهم الله تعالى بقوله : لا تأخذه سنة ولا نوم الآية ، وكذبهم على لسان نبيه بقوله [ ص: 420 ] وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب وقوله خطابا لموسى لن تراني وعندهم في توراتهم : إن موسى صعد الجبل مع مشايخ أمته ، فأبصروا الله جهرة وتحت رجليه كرسي منظره كمنظر البلور ، ويسمونه بلغتهم ( السبقير ) ، وهذا من كذبهم وافترائهم على الله وعلى التوراة .

وعندهم في توراتهم : أن الله سبحانه وتعالى لما رأى فساد قوم نوح وأن شرهم ( قد عظم ) ندم على خلق البشر في الأرض وشق عليه .

وعندهم في توراتهم أيضا : أن الله ندم على تمليكه شاول على إسرائيل .

وعندهم فيها أيضا : أن نوحا لما خرج من السفينة بنى بيتا مذبحا لله وقرب عليه قرابين ، واستنشق الله رائحة القتار ، فقال في ذاته : ( لن أعاود لعنة الأرض بسبب الناس لأن خاطر البشر مطبوع على الرداءة ، ولن أهلك جميع الحيوان كما صنعت ) .

قال بعض علمائهم الراسخين في العلم ممن هداه الله إلى الإسلام : لسنا نرى أن هذه الكفريات كانت في التوراة المنزلة على موسى ، ولا نقول أيضا أن اليهود قصدوا تغييرها وإفسادها ، بل الحق أولى ما اتبع ، قال : ونحن نذكر حقيقة سبب تبديل التوراة . فإن علماء القوم وأحبارهم يعلمون أن هذه التوراة التي بأيديهم لا يعتقد أحد من [ ص: 421 ] علمائهم وأحبارهم أنها عين التوراة المنزلة على موسى بن عمران ألبتة ، لأن موسى صان التوراة عن بني إسرائيل ، ولم يبثها فيهم خوفا من اختلافهم من بعده في تأويل التوراة المؤدي إلى انقسامهم أحزابا ، وإنما سلمها إلى عشيرته أولاد لاوي ، قال : ودليل ذلك قول التوراة ما هذه ترجمته : وكتب موسى هذه التوراة ودفعها إلى الأئمة بني لاوي .

وكان بنو هارون قضاة اليهود وحكامهم ، لأن الإمامة وخدمة القرابين والبيت المقدس كانت فيهم ، ولم يبذل موسى التوراة لبني إسرائيل إلا نصف سورة ، وقال الله لموسى عن هذه السورة : وتكون هذه السورة شاهدة لي على بني إسرائيل ولا تنسى هذه السورة من أفواه أولادهم . وأما بقية التوراة فدفعها إلى أولاد هارون وجعلها فيهم وصانها عمن سواهم ، فالأئمة الهارونيون هم الذين كانوا يعرفون التوراة ويحفظون أكثرها ، فقتلهم بخت نصر على دم واحد يوم استولى على بيت المقدس ، ولكن التوراة محفوظة على ألسنتهم ، بل كل من الهارونيين يحفظ فصلا من التوراة . فلما رأى عزرا أن القوم قد أحرق هيكلهم وزالت دولتهم وتفرق جمعهم ورفع كتابهم ، جمع من محفوظاته ومن الفصول التي يحفظها الكهنة ما لفق منه هذه التوراة التي بأيديهم ، ولذلك بالغوا في تعظيم عزرا غاية المبالغة ، وقالوا فيه ما حكاه الله عنهم في كتابه ، وزعموا أن النور إلى الآن يظهر على قبره عند بطائح العراق ، لأنه عمل لهم كتابا يحفظ دينهم .

فهذه التوراة التي بأيديهم على الحقيقة كتاب عزرا وإن كان فيها أو أكثرها من التوراة التي أنزلها الله على موسى ، قال : وهذا يدل على أن الذي جمع هذه الفصول التي [ ص: 422 ] بأيديهم رجل جاهل بصفات الرب تعالى ، وما ينبغي له ، وما لا يجوز عليه ، فلذلك نسب إلى الرب تعالى ما يتقدس ويتنزه عنه ، وهذا الرجل يعرف عند اليهود بعازر الوراق . ويظن بعض الناس أنه الرجل الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه . ويقول إنه نبي ، ولا دليل على هاتين المقدمتين ، ويجب التثبت في ذلك نفيا وإثباتا ، فإن كان نبيا واسمه عزير فقد وافق ( صاحب التوراة ) في الاسم ( لا في النبوة ) .

وبالجملة فنحن وكل عاقل يقطع ببراءة التوراة التي أنزلها الله على كليمه موسى عليه الصلاة والسلام من هذه الأكاذيب والمستحيلات والترهات ، كما يقطع ببراءة صلاة موسى وبني إسرائيل معه من هذا الذي يقولونه في صلاتهم ، فإنهم في العشر الأول من المحرم في كل سنة يقولون في صلاتهم ما ترجمته : يا أبانا أتملك على جميع أهل الأرض ليقول كل ذي نسمة : الله إله إسرائيل قد ملك ومملكته متسلطة .

ويقولون فيها أيضا : ( وسيكون لله الملك ، وفي ذلك اليوم يكون الله واحدا واسمه واحدا ) ، ويعنون بذلك أنه لا يظهر كون الملك له وكونه واحدا إلا إذا صارت الدولة لهم ، فأما ما دامت الدولة لغيرهم فإنه تعالى خامل الذكر عند الأمم ، مشكوك في وحدانيته ، مطعون في ملكه .

ومعلوم قطعا أن موسى ورب موسى بريء من هذه الصلاة براءته من تلك الترهات .

( فصل ) : وجحدكم نبوة محمد من الكتب التي بأيديكم نظير جحدكم نبوة المسيح [ ص: 423 ] وقد صرحت باسمه ، ففي نص التوراة لا يزول الملك من آل يهودا ، والرسم بين ظهرانيهم إلى أن يأتي المسيح ، وكانوا أصحاب دولة حتى ظهر المسيح فكذبوه ورموه بالعظائم وبهتوه وبهتوا ( أمه ) ، فدمر الله عليهم وأزال ملكهم ، وكذلك قوله : ( جاء الله من طور سيناء ، وأشرق من ساعير ، واستعلن من جبال فاران ، فأي نبوة أشرقت من ساعير غير نبوة المسيح ؟ وهم لا ينكرون ذلك ، ويزعمون أن قائما يقوم فيهم من ولد داود النبي إذا حرك شفتيه بالدعاء مات جميع الأمم ولا يبقى إلا اليهود ، وهذا المنتظر بزعمهم هو المسيح الذي وعدوا به .

قالوا : ومن علامة مجيئه أن الذئب والتيس يربضان معا ، وأن البقرة والذئب يرعيان جميعا ، وأن الأسد يأكل التبن كالبقر . فلما بعث المسيح كفروا به عند مبعثه . وأقاموا ينتظرون متى يأكل الأسد التبن ( كالبقرة ) ، حتى تصح لهم علامات مبعث المسيح ، ويعتقدون أن هذا المنتظر متى جاءهم يجمعهم بأسرهم إلى القدس ، وتصير لهم الدولة ، ويخلو العالم من غيرهم ، ويحجم الموت عن جنابهم المنيع مدة طويلة ، وقد عوضوا من الإيمان بالمسيح ابن مريم انتظار مسيح الضلالة الدجال ، فإنه هو الذي ينتظرونه حقا ، وهم عساكره وأتبع الناس له ، ويكون لهم في زمانه شوكة ودولة إلى أن ينزل مسيح الهدى ابن مريم فيقتل منتظرهم ، ويضع هو وأصحابه فيهم السيوف حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر فيقولان : يا مسلم ، هذا يهودي ورائي تعالى فاقتله . فإذا نظف الأرض منهم ومن عباد الصليب فحينئذ يرعى الذئب والكبش معا ، [ ص: 424 ] ويربضان معا ، وترعى البقرة والذئب معا ، ويأكل الأسد التبن ، ويلقى الأمن في الأرض .

وهكذا أخبر به أشعيا في نبوته وطابق خبره ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح في خروج الدجال وقتل المسيح ابن مريم له ، وخروج يأجوج ومأجوج في أثره ، ومحقهم من الأرض ، وإرسال البركة والأمن في الأرض ، حتى ترعى الشاة والذئب ، وحتى أن الحيات والسباع لا تضر الناس . فصلوات الله تعالى وسلامه على من جاء بالهدى والنور وتفصيل كل شيء وبيانه .

وأهل الكتاب عندهم عن أنبيائهم حق كثير لا يعرفونه ولا يحسنون أن يضعوه مواضعه ، ولقد أكمل الله سبحانه وتعالى بمحمد صلوات الله وسلامه عليه ما أنزل الله على الأنبياء من الحق وبينه وأظهره لأمته ، وفصل على لسانه ما أجمله لهم ، وشرح ما رمزوا إليه ، فجاء بالحق وصدق المرسلين ، وتمت به نعمة الله على عباده المؤمنين .

فالمسلمون واليهود والنصارى ينتظرون مسيحا يجيء في آخر الزمان ، فمسيح اليهود هو الدجال ، ومسيح النصارى لا حقيقة له ، فإنه عندهم إله وابن إله وخالق ومميت ومحيي ومميت ، فمسيحهم الذي ينتظرونه هو المصلوب المسمر المكلل بالشوك بين اللصوص ، المصفوع الذي هو مصفعة اليهود ، وهو عندهم رب العالمين وخالق السماوات والأرضين .

ومسيح المسلمين الذي ينتظرونه هو عبد الله ورسوله وروحه ، وكلمته ألقاها إلى مريم البتول ، عيسى ابن مريم ، أخو عبد الله ورسوله محمد بن عبد الله ، فيظهر دين الله وتوحيده ، ويقتل أعداءه عباد الصليب الذين اتخذوه وأمه إلهين من دون الله ، وأعداؤه اليهود الذين رموه وأمه بالعظائم ، فهذا هو الذي ينتظره المسلمون . وهو نازل على المنارة الشرقية [ ص: 425 ] بدمشق ، واضعا يديه على منكبي ملكين ، يراه الناس عيانا بأبصارهم نازلا من السماء ، فيحكم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وينفذ ما أضاعه الظلمة والفجرة والخونة من دين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويحيي ما أماتوه ، وتعود الملل كلها في زمانه ملة واحدة ، وهي ملته وملة أخيه محمد وملة أبيهما إبراهيم وملة سائر الأنبياء صلى الله عليهم وسلم ، وهي الإسلام الذي من يبتغ غيره دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين . وقد حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدركه من أمته السلام ، وأمره أن يقرئه إياه منه ، فأخبر عن موضع نزوله بأي بلد وبأي مكان منه ، وبحاله وقت نزوله ، وبلبسه الذي كان عليه ، وأنه ممصرتان أي ثوبان وأخبر بما يفعل عند نزوله مفصلا حتى كأن المسلمين يشاهدونه عيانا قبل أن يروه . وهذا من جملة الغيوب التي أخبر بها ، فوقعت مطابقة لخبره حذو القذة بالقذة .

فهذا منتظر المسلمين ، لا منتظر المغضوب عليهم والضالين ، ولا منتظر إخوانهم من الروافض المارقين ، وسوف يعلم المغضوب عليهم إذا جاء منتظر المسلمين أنه ليس بابن يوسف النجار ، ولا هو ولد ( زنية ) ، ولا كان طبيبا حاذقا ماهرا في صناعته استولى على العقول بصناعته ، ولا كان ساحرا ممخرقا ، ولا مكنوا من صلبه وتسميره وصفعه وقتله ، بل كانوا أهون على الله من ذلك . ويعلم الضالون أنه ابن البشر ، وأنه عبد الله ورسوله ، وأنه ليس بإله ولا ابن إله ، وأنه ( مبشر ) بشر بنبوة أخيه محمد صلى الله عليه وسلم أولا ، وحكم بشريعته [ ص: 426 ] ودينه آخرا ، وأنه عدو المغضوب عليهم والضالين ، وولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتباعه المؤمنين ، وما كان أولياءه الأرجاس والأنجاس عبدة الصليب والصور المدهونة في الحيطان ، إن أولياؤه إلا الموحدون عباد الرحمن أهل الإسلام والإيمان ، الذين نزهوه وأمه عما رماهما به أعداؤهما اليهود ، ونزهوا ربه وخالقه ومالكه وسيده عما رماه به أهل الشرك والسب للواحد المعبود .

فلنرجع إلى الجواب على طريق من يقول : إنهم غيروا ألفاظ الكتب وزادوا ونقصوا ، كما أجبنا على طريق من يقول : إنما غيروا ببعض ألفاظها وتأولوها غير تأويلها ، قال هؤلاء : نحن لا ندعي ولا طائفة من المسلمين أن ألفاظ كل نسخة في العالم غيرت وبدلت ، بل من المسلمين من يقول : إنه غير بعض ألفاظها قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وغيرت بعض النسخ بعد مبعثه ، ولا يقولون : إنه غيرت كل نسخة في العالم بعد المبعث ، بل غير البعض ، وظهر عند كثير من الناس بعض النسخ المبدلة المغيرة دون التي لم تبدل ، والنسخ التي تبدل موجودة في العالم . ومعلوم أن هذا مما لا يمكن نفيه والجزم بعدم وقوعه ، فإنه لا يمكن أحدا أن يعلم أن كل نسخة في العالم على لفظ واحد بسائر الألسنة ، ومن الذي أحاط علما أو عقلا ؟ وأهل الكتاب يعلمون أن أحدا لا يمكنه ذلك . وأما من قال من المسلمين : أن التغيير وقع في أول الأمر فإنهم قالوا : إنه وقع أولا من عزرا الوراق في التوراة في بعض الأمور ، إما عمدا وإما خطأ ، فإنه لم يقم دليل على عصمته ، ولا أن تلك الفصول التي جمعها من التوراة بعد إحراقها هي عين التوراة التي أنزلت على موسى ، وقد ذكرنا أن فيها ما لا يجوز نسبته إلى الله ، وأنه أنزله على رسوله وكليمه ، وتركنا كثيرا لم نذكره .

التالي السابق


الخدمات العلمية