وفي التوراة التي بأيديهم من التحريف والتبديل وما لا تجوز نسبته إلى الأنبياء   [ ص: 417 ] ما لا يشك فيه ذو بصيرة ، والتوراة التي أنزلها الله على  
موسى   بريئة من ذلك ، ففيها  عن  
لوط   رسول الله أنه خرج من  
المدينة   وسكن في كهف الجبل ، ومعه ابنتاه ، فقالت الصغرى للكبرى : قد شاخ أبونا فارقدي بنا معه لنأخذ منه نسلا ، فرقدت معه الكبرى ثم الصغرى ، ثم فعلتا ذلك في الليلة الثانية ، وحملتا منه بولدين  
موآب  وعمون     .  
فهل يحسن أن يكون نبي رسول كريم على الله يوقعه الله سبحانه وتعالى في مثل هذه الفاحشة العظيمة في آخر عمره ، ثم يذيعها عنه ويحكيها للأمم ؟  
وفيها : أن الله تجلى  
لموسى   في  
طور سيناء   ، وقال له بعد كلام كثير : أدخل يدك في حجرك وأخرجها مبروصة كالثلج . وهذا من النمط الأول ، والله سبحانه لم يتجل  
لموسى   وإنما أمره أن يدخل يده في جيبه وأخبره بأنها تخرج بيضاء من غير سوء أي من غير برص .  
وفيها أن  
هارون   هو الذي صاغ لهم العجل ، وهذا إن لم يكن من زيادتهم وافترائهم  
فهارون   اسم  
السامري  الذي صاغه ليس هو  
بهارون   أخي  
موسى      .  
وفيها : أن الله قال  
لإبراهيم      : اذبح ابنك بكرك  
إسحاق   ، وهذا من بهتهم وزيادتهم وافترائهم في كلام الله سبحانه وتعالى ، وقد جمعوا بين النقيضين ، فإن بكره هو  
إسماعيل   فإنه بكر أولاده ،  
وإسحاق   إنما بشر به على الكبر بعد قضية الذبح .   
[ ص: 418 ] وفيها : ورأى الله أن قد كثر فساد الآدميين في الأرض ، فندم على خلقهم ، وقال : سأذهب الآدميين الذين خلقت على الأرض والخشاش وطيور السماء لأني نادم على خلقها جدا . تعالى الله عن إفك المفترين ، وعما يقول الظالمون علوا كبيرا .  
وفيها : أن الله سبحانه وتعالى علوا كبيرا ، تصارع مع  
يعقوب   فضرب به  
يعقوب   الأرض .  
وفيها : أن  
يهودا بن يعقوب  النبي زوج ولده الأكبر من امرأة يقال لها  
تامار  ، فكان يأتيها مستدبرا فغضب الله من فعله فأماته ، فزوج  
يهودا  ولده الآخر بها فكان إذا دخل بها أمنى على الأرض علما بأنه إن أولدها كان أول الأولاد مدعوا باسم أخيه ومنسوبا إلى أخيه ، فكره الله ذلك من فعله فأماته ، وأمرها  
يهودا  باللحاق ببيت أبيها إلى أن يكبر  
شيلا  ولده ويتم عقله ، ثم ماتت زوجة  
يهودا  وذهب إلى منزله ليجز غنمه ، فلما أخبرت  
تامار  لبست زي الزواني وجلست على طريقه ، فلما مر بها ظنها زانية فراودها فطالبته بالأجرة فوعدها بجدي ، ورمى عندها عصاه وخاتمه فدخل بها فعلقت منه بولد . ومن هذا الولد كان  
داود   النبي .  
فقد جعلوه ولد زنا ، كما جعلوا  
المسيح   ولد زنا ، ولم يكفهم ذلك حتى نسبوا ذلك إلى التوراة ، وكما جعلوا ولدي  
لوط   ولدي زنا ، ثم نسبوا  
داود   وغيره من أنبيائهم إلى ذينك الوالدين .  
وأما فريتهم على الله ورسله وأنبيائه ورميهم لرب العالمين ورسله بالعظائم فكثير جدا ، كقولهم : إن الله استراح في اليوم السابع من خلق السماوات والأرض ،   
[ ص: 419 ] فأنزل الله تعالى تكذيبهم بقوله :  
وما مسنا من لغوب  ، وقولهم :  
إن الله فقير ونحن أغنياء  ، وقولهم :  
إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار  وقولهم  
لن تمسنا النار إلا أياما معدودة     .  
وقولهم : إن الله تعالى بكى على الطوفان حتى رمدت عيناه وعادته الملائكة .  
وقولهم الذي حكيناه آنفا : إن الله ندم على خلق بني  
آدم   وأدخلوا هذه الفرية في التوراة ، وقولهم عن  
لوط      : أنه وطئ ابنتيه وأولدهما ولدين نسبوا إليهما جماعة من الأنبياء ، وقولهم في بعض دعاء صلواتهم : انتبه كم تنام يا رب ؟ استيقظ من رقدتك ؟ .  
فتجرءوا على رب العالمين بهذه المناجاة القبيحة ، كأنهم يناجونه بذلك لينتخي لهم ويحتمي ، كأنهم يخبرونه أنه قد اختار الخمول لنفسه وأحبائه به فيهزءونه بهذا الخطاب للنباهة واشتهار الصيت . قال بعض أكابرهم بعد إسلامه : فترى أحدهم إذا تلا هذه الكلمات في الصلاة يقشعر جلده ، ولا يشك أن كلامه يقع عند الله بموقع عظيم ، وإنه يؤثر في ربه ويحركه ويهزه وينخيه . فكذبهم الله تعالى بقوله :  
لا تأخذه سنة ولا نوم  الآية ، وكذبهم على لسان نبيه بقوله   
[ ص: 420 ] وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب  وقوله خطابا  
لموسى   لن تراني  وعندهم في توراتهم : إن  
موسى   صعد الجبل مع مشايخ أمته ، فأبصروا الله جهرة وتحت رجليه كرسي منظره كمنظر البلور ، ويسمونه بلغتهم ( السبقير ) ، وهذا من كذبهم وافترائهم على الله وعلى التوراة .  
وعندهم في توراتهم : أن الله سبحانه وتعالى لما رأى فساد قوم  
نوح   وأن شرهم ( قد عظم ) ندم على خلق البشر في الأرض وشق عليه .  
وعندهم في توراتهم أيضا : أن الله ندم على تمليكه  
شاول  على  
إسرائيل      .  
وعندهم فيها أيضا : أن  
نوحا   لما خرج من السفينة بنى بيتا مذبحا لله وقرب عليه قرابين ، واستنشق الله رائحة القتار ، فقال في ذاته : ( لن أعاود لعنة الأرض بسبب الناس لأن خاطر البشر مطبوع على الرداءة ، ولن أهلك جميع الحيوان كما صنعت ) .  
قال بعض علمائهم الراسخين في العلم ممن هداه الله إلى الإسلام : لسنا نرى أن هذه الكفريات كانت في التوراة المنزلة على  
موسى   ، ولا نقول أيضا أن  
اليهود   قصدوا تغييرها وإفسادها ، بل الحق أولى ما اتبع ، قال : ونحن نذكر حقيقة سبب تبديل التوراة . فإن علماء القوم وأحبارهم يعلمون أن هذه التوراة التي بأيديهم لا يعتقد أحد من   
[ ص: 421 ] علمائهم وأحبارهم أنها عين التوراة المنزلة على  
موسى بن عمران   ألبتة ، لأن  
موسى   صان التوراة عن  
بني إسرائيل   ، ولم يبثها فيهم خوفا من اختلافهم من بعده في تأويل التوراة المؤدي إلى انقسامهم أحزابا ، وإنما سلمها إلى عشيرته  
أولاد  لاوي   ، قال : ودليل ذلك قول التوراة ما هذه ترجمته : وكتب  
موسى   هذه التوراة ودفعها إلى الأئمة  
بني لاوي      .  
وكان  
بنو  هارون    قضاة  
اليهود   وحكامهم ، لأن الإمامة وخدمة القرابين  
والبيت المقدس   كانت فيهم ، ولم يبذل  
موسى   التوراة  
لبني إسرائيل   إلا نصف سورة ، وقال الله  
لموسى   عن هذه السورة : وتكون هذه السورة شاهدة لي على  
بني إسرائيل   ولا تنسى هذه السورة من أفواه أولادهم . وأما بقية التوراة فدفعها إلى أولاد  
هارون   وجعلها فيهم وصانها عمن سواهم ، فالأئمة الهارونيون هم الذين كانوا يعرفون التوراة ويحفظون أكثرها ، فقتلهم  
بخت نصر  على دم واحد يوم استولى على  
بيت المقدس   ، ولكن التوراة محفوظة على ألسنتهم ، بل كل من الهارونيين يحفظ فصلا من التوراة . فلما رأى عزرا أن القوم قد أحرق هيكلهم وزالت دولتهم وتفرق جمعهم ورفع كتابهم ، جمع من محفوظاته ومن الفصول التي يحفظها الكهنة ما لفق منه هذه التوراة التي بأيديهم ، ولذلك بالغوا في تعظيم عزرا غاية المبالغة ، وقالوا فيه ما حكاه الله عنهم في كتابه ، وزعموا أن النور إلى الآن يظهر على قبره عند  
بطائح العراق   ، لأنه عمل لهم كتابا يحفظ دينهم .  
فهذه التوراة التي بأيديهم على الحقيقة كتاب  
عزرا  وإن كان فيها أو أكثرها من التوراة التي أنزلها الله على  
موسى   ، قال : وهذا يدل على أن الذي جمع هذه الفصول التي   
[ ص: 422 ] بأيديهم رجل جاهل بصفات الرب تعالى ، وما ينبغي له ، وما لا يجوز عليه ، فلذلك نسب إلى الرب تعالى ما يتقدس ويتنزه عنه ، وهذا الرجل يعرف عند  
اليهود   بعازر الوراق     . ويظن بعض الناس أنه الرجل الذي  
مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه     . ويقول إنه نبي ، ولا دليل على هاتين المقدمتين ، ويجب التثبت في ذلك نفيا وإثباتا ، فإن كان نبيا واسمه  
عزير   فقد وافق ( صاحب التوراة ) في الاسم ( لا في النبوة ) .  
وبالجملة فنحن وكل عاقل يقطع ببراءة التوراة التي أنزلها الله على كليمه  
موسى   عليه الصلاة والسلام من هذه الأكاذيب والمستحيلات والترهات ، كما يقطع ببراءة صلاة  
موسى   وبني إسرائيل   معه من هذا الذي يقولونه في صلاتهم ، فإنهم في العشر الأول من المحرم في كل سنة يقولون في صلاتهم ما ترجمته : يا أبانا أتملك على جميع أهل الأرض ليقول كل ذي نسمة : الله إله  
إسرائيل   قد ملك ومملكته متسلطة .  
ويقولون فيها أيضا : ( وسيكون لله الملك ، وفي ذلك اليوم يكون الله واحدا واسمه واحدا ) ، ويعنون بذلك أنه لا يظهر كون الملك له وكونه واحدا إلا إذا صارت الدولة لهم ، فأما ما دامت الدولة لغيرهم فإنه تعالى خامل الذكر عند الأمم ، مشكوك في وحدانيته ، مطعون في ملكه .  
ومعلوم قطعا أن  
موسى   ورب  
موسى   بريء من هذه الصلاة براءته من تلك الترهات .  
( فصل ) : وجحدكم نبوة  
محمد   من الكتب التي بأيديكم نظير جحدكم نبوة  
المسيح    [ ص: 423 ] وقد صرحت باسمه ، ففي نص التوراة لا يزول الملك من آل يهودا ، والرسم بين ظهرانيهم إلى أن يأتي  
المسيح   ، وكانوا أصحاب دولة حتى ظهر  
المسيح   فكذبوه ورموه بالعظائم وبهتوه وبهتوا ( أمه ) ، فدمر الله عليهم وأزال ملكهم ، وكذلك قوله : ( جاء الله من  
طور سيناء   ، وأشرق من  
ساعير   ، واستعلن من  
جبال فاران   ، فأي نبوة أشرقت من  
ساعير   غير نبوة  
المسيح   ؟ وهم لا ينكرون ذلك ، ويزعمون أن قائما يقوم فيهم من ولد  
داود   النبي إذا حرك شفتيه بالدعاء مات جميع الأمم ولا يبقى إلا  
اليهود   ، وهذا المنتظر بزعمهم هو  
المسيح   الذي وعدوا به .  
قالوا : ومن علامة مجيئه أن الذئب والتيس يربضان معا ، وأن البقرة والذئب يرعيان جميعا ، وأن الأسد يأكل التبن كالبقر . فلما بعث  
المسيح   كفروا به عند مبعثه . وأقاموا ينتظرون متى يأكل الأسد التبن ( كالبقرة ) ، حتى تصح لهم علامات مبعث المسيح ، ويعتقدون أن هذا المنتظر متى جاءهم يجمعهم بأسرهم إلى  
القدس   ، وتصير لهم الدولة ، ويخلو العالم من غيرهم ، ويحجم الموت عن جنابهم المنيع مدة طويلة ، وقد عوضوا من الإيمان  
بالمسيح ابن مريم   انتظار مسيح الضلالة الدجال ، فإنه هو الذي ينتظرونه حقا ، وهم عساكره وأتبع الناس له ، ويكون لهم في زمانه شوكة ودولة إلى أن  
ينزل  مسيح الهدى ابن مريم   فيقتل منتظرهم  ، ويضع هو وأصحابه فيهم السيوف حتى يختبئ  
اليهودي   وراء الحجر والشجر فيقولان : يا مسلم ، هذا يهودي ورائي تعالى فاقتله . فإذا نظف الأرض منهم ومن عباد الصليب فحينئذ يرعى الذئب والكبش معا ،   
[ ص: 424 ] ويربضان معا ، وترعى البقرة والذئب معا ، ويأكل الأسد التبن ، ويلقى الأمن في الأرض .  
وهكذا أخبر به  
أشعيا   في نبوته وطابق خبره ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح في خروج الدجال وقتل  
المسيح ابن مريم   له ، وخروج يأجوج ومأجوج في أثره ، ومحقهم من الأرض ، وإرسال البركة والأمن في الأرض ، حتى ترعى الشاة والذئب ، وحتى أن الحيات والسباع لا تضر الناس . فصلوات الله تعالى وسلامه على من جاء بالهدى والنور وتفصيل كل شيء وبيانه .  
وأهل الكتاب عندهم عن أنبيائهم حق كثير لا يعرفونه ولا يحسنون أن يضعوه مواضعه ، ولقد أكمل الله سبحانه وتعالى  
بمحمد   صلوات الله وسلامه عليه ما أنزل الله على الأنبياء من الحق وبينه وأظهره لأمته ، وفصل على لسانه ما أجمله لهم ، وشرح ما رمزوا إليه ، فجاء بالحق وصدق المرسلين ، وتمت به نعمة الله على عباده المؤمنين .  
فالمسلمون  
واليهود   والنصارى   ينتظرون مسيحا يجيء في آخر الزمان ، فمسيح  
اليهود   هو الدجال ، ومسيح  
النصارى   لا حقيقة له ، فإنه عندهم إله وابن إله وخالق ومميت ومحيي ومميت ، فمسيحهم الذي ينتظرونه هو المصلوب المسمر المكلل بالشوك بين اللصوص ، المصفوع الذي هو مصفعة  
اليهود   ، وهو عندهم رب العالمين وخالق السماوات والأرضين .  
ومسيح المسلمين الذي ينتظرونه هو عبد الله ورسوله وروحه ، وكلمته ألقاها إلى  
مريم البتول  ، عيسى ابن مريم   ، أخو عبد الله ورسوله  
محمد بن عبد الله   ، فيظهر دين الله وتوحيده ، ويقتل أعداءه عباد الصليب الذين اتخذوه وأمه إلهين من دون الله ، وأعداؤه  
اليهود   الذين رموه وأمه بالعظائم ، فهذا هو الذي ينتظره المسلمون . وهو نازل على  
المنارة الشرقية    [ ص: 425 ] بدمشق   ، واضعا يديه على منكبي ملكين ، يراه الناس عيانا بأبصارهم نازلا من السماء ، فيحكم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وينفذ ما أضاعه الظلمة والفجرة والخونة من دين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويحيي ما أماتوه ، وتعود الملل كلها في زمانه ملة واحدة ، وهي ملته وملة أخيه  
محمد   وملة أبيهما  
إبراهيم   وملة سائر الأنبياء صلى الله عليهم وسلم ، وهي الإسلام الذي من يبتغ غيره دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين . وقد حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدركه من أمته السلام ، وأمره أن يقرئه إياه منه ، فأخبر عن موضع نزوله بأي بلد وبأي مكان منه ، وبحاله وقت نزوله ، وبلبسه الذي كان عليه ، وأنه ممصرتان أي ثوبان وأخبر بما يفعل عند نزوله مفصلا حتى كأن المسلمين يشاهدونه عيانا قبل أن يروه . وهذا من جملة الغيوب التي أخبر بها ، فوقعت مطابقة لخبره حذو القذة بالقذة .  
فهذا منتظر المسلمين ، لا منتظر المغضوب عليهم والضالين ، ولا منتظر إخوانهم من الروافض المارقين ، وسوف يعلم المغضوب عليهم إذا جاء منتظر المسلمين أنه ليس  
بابن يوسف النجار  ، ولا هو ولد ( زنية ) ، ولا كان طبيبا حاذقا ماهرا في صناعته استولى على العقول بصناعته ، ولا كان ساحرا ممخرقا ، ولا مكنوا من صلبه وتسميره وصفعه وقتله ، بل كانوا أهون على الله من ذلك . ويعلم الضالون أنه ابن البشر ، وأنه عبد الله ورسوله ، وأنه ليس بإله ولا ابن إله ، وأنه ( مبشر ) بشر بنبوة أخيه  
محمد   صلى الله عليه وسلم أولا ، وحكم بشريعته   
[ ص: 426 ] ودينه آخرا ، وأنه عدو المغضوب عليهم والضالين ، وولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتباعه المؤمنين ، وما كان أولياءه الأرجاس والأنجاس عبدة الصليب والصور المدهونة في الحيطان ، إن أولياؤه إلا الموحدون عباد الرحمن أهل الإسلام والإيمان ، الذين نزهوه وأمه عما رماهما به أعداؤهما  
اليهود   ، ونزهوا ربه وخالقه ومالكه وسيده عما رماه به أهل الشرك والسب للواحد المعبود .  
فلنرجع إلى الجواب على طريق من يقول : إنهم غيروا ألفاظ الكتب وزادوا ونقصوا ، كما أجبنا على طريق من يقول : إنما غيروا ببعض ألفاظها وتأولوها غير تأويلها ، قال هؤلاء : نحن لا ندعي ولا طائفة من المسلمين أن ألفاظ كل نسخة في العالم غيرت وبدلت ، بل من المسلمين من يقول : إنه غير بعض ألفاظها قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وغيرت بعض النسخ بعد مبعثه ، ولا يقولون : إنه غيرت كل نسخة في العالم بعد المبعث ، بل غير البعض ، وظهر عند كثير من الناس بعض النسخ المبدلة المغيرة دون التي لم تبدل ، والنسخ التي تبدل موجودة في العالم . ومعلوم أن هذا مما لا يمكن نفيه والجزم بعدم وقوعه ، فإنه لا يمكن أحدا أن يعلم أن كل نسخة في العالم على لفظ واحد بسائر الألسنة ، ومن الذي أحاط علما أو عقلا ؟ وأهل الكتاب يعلمون أن أحدا لا يمكنه ذلك . وأما من قال من المسلمين : أن التغيير وقع في أول الأمر فإنهم قالوا : إنه وقع أولا من  
عزرا الوراق  في التوراة في بعض الأمور ، إما عمدا وإما خطأ ، فإنه لم يقم دليل على عصمته ، ولا أن تلك الفصول التي جمعها من التوراة بعد إحراقها هي عين التوراة التي أنزلت على  
موسى   ، وقد ذكرنا أن فيها ما لا يجوز نسبته إلى الله ، وأنه أنزله على رسوله وكليمه ، وتركنا كثيرا لم نذكره .