صفحة جزء
( حدثنا إسحاق بن منصور أخبرنا ) وفي نسخة أنبأنا ( عبد الله بن نمير ) بضم نون وفتح ميم أخرج حديثه الستة ( أخبرنا عبيد الله بن عمر ) مر ذكره ( عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من ورق ، فكان في يده ) أي حقيقة بأن كان لابسه أو في تصرفه بأن كان عنده للختم ( ثم كان ) أي بأحد المعنيين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ( في يد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ) أي بالختم به أو للتبرك ( ثم كان في يد عثمان رضي الله عنه ) أي في إصبعه من إطلاق الكل وإرادة الجزء ويؤيده رواية [ ص: 179 ] البخاري قال ابن عمر : فلبس الخاتم بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان إلى آخره ، والأظهر أنهم لبسوه أحيانا لأجل التبرك به ، وكان في أكثر الأوقات عند معيقيب جمعا بين الروايات ، وقيل : المراد من كون الخاتم في أيديهم أنه كان عندهم كما يقال في العرف ، أن الشيء الفلاني في يد فلان ، وهو ذو اليد أي عنده إلا أنه يأبى عنه ظاهر قوله ( حتى وقع ) أي سقط الخاتم من يدعثمان ( في بئر أريس ) بفتح الهمزة وكسر الراء والبئر بالهمزة ويخفف وهو معروف قريب من مسجد قباء عند المدينة ، كذا في النهاية ، وقال العسقلاني : وهو بستان معروف يجوز فيه الصرف وعدمه ، وفي بئرها سقط خاتم النبي صلى الله عليه وسلم ، من يد عثمان انتهى . والظاهر أن إطلاق بئر أريس على البستان بناء على ذكر الجزء وإرادة الكل فاندفع ما قال العصام : وعلى هذا في الكلام مضاف محذوف أي وقع ( في بئر أريس ) انتهى . مع أن له وجها آخر من صنيع البديعي ، وهو الاستخدام ثم ظاهر السياق أنه وقع من يد عثمان ، وصريح ما يأتي أنه وقع من يد معيقيب مولى سعيد بن أبي العاص ، وكان على خاتم النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة على ما في الجامع ، ولا تنافي لاحتمال أنه لما دفع أحدهما إلى الآخر استقبله بأخذه ، فسقط فنسب سقوطه لكل منهما ، إلا أنه يشكل بما وقع في البخاري من طريق أنس ، فلما كان عثمان جالسا على بئر أريس فأخرج الخاتم ، فجعل يعبث به فسقط ، قال : فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان ننزح البئر فلم نجده ، لكن ذكر النسائي أن عثمان طلب الخاتم من معيقيب ليختم به شيئا فاستمر في يده ، وهو متفكر في شيء يعبث به فسقط ، وأما ما أجابه العصام في هذا المقام فلا يلتئم به النظام ، ثم في النسائي ما يدفع الإشكال الواقع في البخاري من نسبة العبث به ، حيث كان سبب العبث به التفكر الباعث على التحير في الأمر ، والاضطراب في الفعل ، وبه يندفع اعتراض الشيعة عليه رضي الله عنه ، وسيأتي تفسير العبث بأنه كان يكثر إخراج خاتمه وإدخاله ، ولعله كان إشارة إلى تغير حاله واضطراب الناس في إبقاء نصبه ، وإفشاء عزله والله أعلم ، وإنما سمي عبثا صورة وإلا ففي الحقيقة نشأ عن فكر وفكرة مثله لا تكون إلا في الحيرة ، ( نقشه ) أي نقش ذلك الخاتم أو نقش فصه ( محمد رسول الله ) أي هذه الكلمة والجملة بتأويل المفرد لا تحتاج إلى الضمير العائد إلى المبتدأ للربط قال العصام : فيه أنه يجوز استعمال خاتم منقوش باسم آخر بعد موته ; لأنه لا التباس بعد الموت فيصح أن يجعل علامة التوثيق انتهى . وفيه أن الالتباس متحقق عند عدم وجود التاريخ ، قال : واستعمال ثم مع أنه كان الانتقال بلا مهلة ؛ لأن آخر الفعل الثاني متراخ عن آخر الفعل الأول ، ويستعمل فيه الفاء باعتبار عدم تراخي أوله عن آخر الأول ، فليكن هذا على ذكر منك ، فإنه داء كثير من الأدواء انتهى . ويمكن حمله على مذهب الفراء من عدم اعتبار المهلة في ثم أو المراد [ ص: 180 ] به التراخي في الأخبار . قال النووي في الحديث : التبرك بآثار الصالحين ، ولبس ملابسهم والتيمن بها ، وجواز لبس الخاتم وفيه دليل أيضا لمن قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يورث إذ لو ورث لدفع الخاتم إلى ورثته ، بل كان الخاتم والقدح والسلاح ونحوها من آثاره الصورية صدقة للمسلمين ، يصرفها من ولي الأمر حيث رأى المصالح ، فجعل القدح عند أنس إكراما له بخدمته ، ومن أراد التبرك به لم يمنعه ، وجعل باقي الأثاث عند ناس معروفين ، واتخذ الخاتم عنده للحاجة التي اتخذها صلى الله عليه وسلم ، فإنها موجودة للخليفة بعده ، ثم الثاني ثم الثالث انتهى كلام النووي . واعترض عليه العسقلاني وقال : يجوز أن يكون الخاتم اتخذ من مال المصالح فانتقل للإمام لينتفع به فيما صنع له .

قلت : الأصل هو الأول وهذا محتمل فهو المعول ( قال ميرك : تنبيهات ) الأول : اعلم أن في هذه الرواية إجمالا حيث لم يبين فيها أن الخاتم من يد من سقط في البئر ؟ وسيأتي في الباب الذي يليه من حديث ابن عمر أيضا من طريق أيوب بن موسى عن نافع عنه أنه قال : وهو الذي سقط من معيقيب في بئر أريس ، وكذا هو في بعض الطرق عند مسلم ، وعند البخاري من طريق أبي أسامة عن عبيد الله عن نافع عنه ، حتى وقع من عثمان في بئر أريس ، وقع عند مسلم حتى وقع منه في بئر أريس ، وعند البخاري من حديث أنس فلما كان عثمان جلس على بئر أريس فأخرج الخاتم يعبث به فسقط ، قال : فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان ننزح البئر فلم نجده ، وكذا هو عند ابن سعد الأنصاري ، عن أنس ثم كان في يد عثمان ست سنين ، فلما كان في الست الباقية ، كنا معه في بئر أريس ، وكان عثمان يكثر إخراج خاتمه من يده وإدخاله ، فبينما هو جالس على شفتها يعبث به سقط الخاتم من يده في البئر ، فالتمسوه فلم يقدروا عليه ، قال الشيخ : نسبة السقوط إلى أحدهما حقيقة ، وإلى الآخر مجازية من قبيل الإسناد إلى السبب ، فإن عثمان طلب الخاتم من معيقيب فختم به شيئا ، واستمر في يده وهو يتفكر في شيء يعبث به فسقط في البئر ، أو رده إليه فسقط منه ، والأول هو الأكثر ، قال : وقد أخرج النسائي من طريق المغيرة بن زياد عن نافع هذا الحديث ، وقال فيه : وكان في يد عثمان ست سنين من عمله ، فلما كثرت عليه أعماله دفعه إلى رجل من الأنصار ، فكان يختم به فخرج الأنصاري إلى قليب لعثمان فسقط ، فالتمس فلم يوجد . انتهى .

أقول : ويحتمل أن عثمان لما أراد أخذه من معيقيب أو رده إليه سقط من بينهما ، كما هو المتعارف فيما بين الناس في إعطاء شخص شيئا إلى شخص آخر ، فيسقط من بينهما أحيانا اعتمادا للمعطي أن أخذه الآخذ ، وظنا من الآخذ أنه في يده باقيا بعد ، فلم يدر الراوي تحقيقا أنه من يد أيهما سقط ، فنسب تارة إلى عثمان ، وتارة إلى معيقيب ، بناء على غلبة الظن ، هذا غاية ما يجمع به بين الروايات ، وإن قلنا بالترجيح ، فالراجح من حيث الصناعة الحديثية رواية من نسب السقوط إلى عثمان ; لأنها المتفق عليها ، واشتملت على تحقيق حكاية الواقعة أيضا ، ورواية نسبة السقوط إلى معيقيب هي من أفراد مسلم ، والله أعلم .

أقول : ومن حيث القواعد العربية يرجح رواية النسبة إلى عثمان أيضا ; لأنه السبب القريب في السقوط من حيث أن له [ ص: 181 ] التصرف في الأخذ والإعطاء والله أعلم ، قال : وقع عند أبي داود والنسائي من طريق المغيرة بن زياد عن نافع ، عن ابن عمر ، فاتخذ عثمان خاتما ، ونقش فيه محمد رسول الله ، فكان يتختم به أو يختم به وله شاهد من مرسل علي بن الحسين عند ابن سعد في الطبقات ، ولكن شتان ما بين هذا الخاتم وبين الخاتم الذي في يد النبي صلى الله عليه وسلم مدة مديدة وبرهة عديدة ، أقول : الظاهر أن هذا الاتخاذ إنما هو بعد سقوط الخاتم ، والله أعلم .

قال بعض العلماء : كان في خاتمه صلى الله عليه وسلم شيء من الأسرار ، كما كان في خاتم سليمان عليه السلام ; لأن سليمان لما فقد خاتمه ذهب ملكه ، وعثمان لما فقد خاتم النبي صلى الله عليه وسلم انتقض عليه الأمر ، وخرج عليه الخارجون ، وكان ذلك مبدأ الفتنة الدنيوية والأخروية التي أفضت إلى قتله ، واتصلت إلى آخر الزمان ، قال ابن بطال : يؤخذ من الحديث أن يسير المال يجب البحث في طلبه ، والاجتهاد في تفتيشه ، يعني دفعا لإضاعة المال ، قال : وقد فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لما ضاع عقد عائشة وحبس الجيش حتى وجده ، قال العسقلاني : وفيه نظر فأما عقد عائشة فقد ظهر أثر ذلك بالفائدة العظيمة التي نشأت عنه ، وهي الرخصة في التيمم ، فكيف يقاس عليه غيره ، قلت : هذا غريب من الشيخ ، فإن استدلاله غير صحيح ، حيث وقع البحث ، وأما ظهور الأثر فأمر مترتب عليه ، فلا دخل له في القياس، نعم ، قد يقال : إن العقد لم يكن يسيرا من المال ، لا سيما ويتعلق بقلب النساء في الحال ، والمآل مع أنه كان أمانة عندها ، فيتعين البحث ويجب التفتيش عنه ، على أنه فرق بين الضياع الذي ليس باختيار ، وبين الإضاعة المنهية ، ولهذا لو ضاع شيء من شخص وتركه ليس عليه حرج ، بل يثاب عليه إن جعله صدقة لله تعالى ، قال : وأما فعل عثمان فلا ينهض الاحتجاج به أصلا ، لما ذكر ولأن الذي يظهر أنه إنما بالغ في التفتيش عليه كونه أثر النبي صلى الله عليه وسلم قد لبسه واستعمله ، وختم به ، ومثل ذلك يساوي في العادة قدرا عظيما من المال ، وإلا لو كان غير خاتم النبي صلى الله عليه وسلم لاكتفى في طلبه بدون ذلك ، وبالضرورة يعلم أن قدر المؤنة التي حصلت في الأيام الثلاثة تزيد على قيمة الخاتم ، لكن اقتضت عظمة قدره ذلك ، فلا يقاس عليه كل ما ضاع من يسير المال انتهى . وهو في غاية من الحسن والبهاء ، ويمكن أن يقال مع هذا أن الخاتم المختص المحتاج إلى الختم به لا يقاس عليه غيره ; لما يترتب على ضياعه من مفاسد كثيرة خصوصا وقت الفتنة ، وانظر إلى قضية مروان وختم حكم عثمان مع تحقق وجود الخاتم عنده ، وفي تصرفه فكيف إذا ضاع ووقع في يد أهل النزاع ، فإنه يترتب عليه ما لا يقاس عليه ضياع مال كثير أيضا بالإجماع ، وأما قول ابن بطال : أن من طلب شيئا ولم ينجح فيه له بعد ثلاثة أيام أن يتركه ، ولا يكون بعد الثلاثة مضيعا ، ففيه ما سبق أن الأشياء مختلفة ; ولذا ذكر الفقهاء في باب اللقطة أن تعريفها بحسب ما يليق بها ، فإن الشيء قد يكون مما لا يلتفت إليه ، ولا يجتهد في الطلب عليه كتمرة وحبة عنب وفلس وفلسين ، وقد يكون مما يطلب يوما وقد يكون مما يطلب إلى جمعة ، وإلى شهر وإلى سنة ، وإلى آخر العمر كله فلا يصح تعيين حد لا في طلب المال اليسير ، ولا في البحث عن المال الكثير .

والتنبيه الثاني : روى أحمد [ ص: 182 ] وأبو داود والنسائي عن أبي ريحانة ، أنه قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الخاتم إلا لذي سلطان ، واستدل به قوم على كراهة لبسه لغير ذي سلطان ، قال النووي في شرح مسلم : أجمع المسلمون على جواز اتخاذ خاتم الفضة للرجال ، وكره بعض علماء الشام المتقدمين لبسه لغير سلطان ، ورووا فيه آثارا وهو شاذ مردود ، يدل عليه ما رواه أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ألقى خاتمه ألقى الناس خواتيمهم إلى آخره ، والظاهر منه أنه كان يلبس الخاتم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من ليس له سلطان ، ولو قيل : هذا الحديث منسوخ ، فلا يتم الاستدلال به ، أجيب بأن الذي نسخ منه لبس خاتم الذهب أو لبس الخاتم المنقوش على نقش خاتم النبي صلى الله عليه وسلم ، كما سيأتي تحقيقه في الباب الذي بعده ، قال العسقلاني : الذي يظهر لي أن لبس الخاتم لغير ذي سلطان ، خلاف الأولى ; لأنه ضرب من التزين ، والأليق بحال الرجال خلافه أي إلا لضرورة ، فتكون الأدلة الدالة على الجواز هي الصارفة للنهي عن التحريم ويؤيده ما وقع في بعض طرق هذا الخبر ، أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الزينة والخاتم ، ويحمل أن يراد بالسلطان من له سلطنة على شيء من الأشياء بحيث يحتاج إلى الختم عليه لا السلطان الأكبر خاصة ، والمراد بالخاتم ما يختم به فيكون لبسه عبثا لمن لا يحتاج إلى الختم به وأما من لبس الخاتم الذي لا يختم به وكان من الفضة للزينة فلا يدخل تحت النهي ، وعلى ذلك يحمل حال من لبسه ويؤيده ما ورد من صفة نقش خواتيم بعض من كان يلبس الخاتم ، مما يدل على أنها لم تكن بصفة ما يختم به .

أقول : الظاهر ممن لبسه أنه ما بلغه النهي عن الزينة والخاتم ; لأن ظاهره العموم ومعياره الاستثناء السابق أو ما صح النهي عندهم ، ويؤيده أنه سئل مالك عن حديث أبي ريحانة فضعفه ، وقال : سأل صدقة بن يسار سعيد بن المسيب فقال : البس الخاتم وأخبر الناس أني قد أفتيتك به ، والله أعلم .

والتنبيه الثالث : ذهب بعض العلماء إلى جواز نقش الخاتم باسم من أسماء الله تعالى من غير كراهة ، وورد في ذلك آثار عن جماعة من الصحابة والسلف الأخيار ، ومنها ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه أن نقش خاتم علي : " لله الملك " ونقش خاتم الإمام محمد الباقر : " العزة لله " ، ونقش خاتم النخعي : " الثقة بالله " ، ونقش خاتم مسروق : " بسم الله " ، وصح عن الحسنين أنهما قالا : لا بأس بنقش ذكر الله على الخاتم .

أقول لأن الظاهر أنه المحترم ، قال النووي : وهو قول الجمهور ، ونقل عن ابن سيرين وبعض أهل العلم كراهته انتهى . وقال العسقلاني : أخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن ابن سيرين أنه لم ير بأسا أن يكتب الرجل في خاتمه حسبي الله ، فهذا يدل على أن الكراهة لم تثبت عنه .

أقول : يمكن أنه ثبت عنه ويكون له في المسألة قولان تعارض فيهما الدليلان ، ويمكن تأخير أحدهما عن الآخر ، قال : ويمكن الجمع بأن الكراهة حيث يخاف عليه حمله للجنب ونحوه أو الاستنجاء بالكف التي هو فيها ، والجواز حيث الأمن من ذلك فلا تكون الكراهة لذاتها ، بل من جهة ما يعرض لذلك ، وإذا جاز نقش أسماء الله تعالى على الخاتم ، فبالأولى جواز نقش اسم الشخص وأبيه قلت : هذا [ ص: 183 ] لا خلاف في عدم كراهته عند الحاجة ، بل مستحب لفعله صلى الله عليه وسلم ، ولا يحتاج إلى دليل آخر ، حيث قال : وقد أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابن عمر أنه نقش على خاتمه عبد الله بن عمر ، وكذا أخرج عن سالم بن عبد الله بن عمر أنه نقش اسمه على خاتمه ، وكذا القاسم بن محمد ، وكان مالك يقول : من شأن الخلفاء والقضاة نقش أسمائهم في خواتيمهم ، أقول : وفي معناهم من يحتاج إلى الختم والله أعلم انتهى .

وذهب جمع من المتأخرين من العلماء الشافعية إلى تحريم ما زاد على مثقال ، للحديث الحسن بل صححه ابن حبان أنه صلى الله عليه وسلم قال : للابس خاتم الحديد ما لي أرى عليك حلية أهل النار ، فطرحه . وقال : يا رسول الله من أي شيء أتخذه قال من ورق ، ولا تتمه مثقالا . لكن رجح الآخرون الجواز منهم الحافظ العراقي في شرح الترمذي فإنه حمل النهي المذكور على التنزيه ، على أن النووي في شرح مسلم ضعفه ، ونقل النووي في شرح المهذب عن صاحب الإبانة كراهة الخاتم المتخذ من حديد أو نحاس للخبر المذكور ، وفي رواية أنه رأى خاتما من صفر ، فقال : ما لي أجد ريح الأصنام ، فطرحه ثم جاء وعليه خاتم من حديد ، فقال : ما لي أرى عليه حلية أهل النار . وعن المتولي لا يكره واختاره فيه وصححه في شرح مسلم ، لخبر الصحيحين في قصة الواهبة " اطلب ولو خاتما من حديد " ، ولو كان مكروها لم يأذن فيه ولخبر أبي داود كان خاتمه صلى الله عليه وسلم من حديد ملوي عليه فضة ، قال : والحديث في النهي ضعيف ، واعترض على تضعيفه بأن له شواهد عدة إن لم ترقه إلى درجة الصحة ، لم تدعه ينزل عن درجة الحسن ، أقول : ويحمل حديث : " كان خاتمه من حديد " ، وقوله : " اطلب ولو خاتما من حديد " على ما قبل النهي ، مع أن الحديث الثاني لا يراد به الحقيقة ، بل المبالغة في الطلب على أنه لا يلزم من وجوده لبسه ، وقد صرح قاضي خان من علمائنا في باب الكراهة بقوله : لا يتختم الرجل إلا بالفضة ، أما قوله : لا يتختم بالذهب ، فللحديث المعروف ، وأما التختم بالحديد فلأنه خاتم أهل النار ، وكذا الصفر .

التالي السابق


الخدمات العلمية