صفحة جزء
( حدثنا محمود بن غيلان ويوسف بن عيسى قالا : حدثنا وكيع عن مساور الوراق عن جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس ) أي على المنبر ، كما في رواية مسلم وبهذا يندفع ما قال بعضهم من أن لبس السواد إنما كان في فتح مكة فقط ; لأن خطبته صلى الله عليه وسلم بمكة لم يكن على منبر بل كان على باب الكعبة والله أعلم .

ولهذا ذكر صاحب المصابيح هذا الحديث في باب خطبة الجمعة ( وعليه عمامة سوداء ) أي قد أرخى طرفيها بين كتفيه يوم الجمعة كما رواه مسلم كذا في المشكاة ، وفي بعض نسخ الشمائل عصابة سوداء ، وهي بمعنى العمامة على ما في المغرب والقاموس ، مأخوذة من العصب وهو الشد لما يشد به ، وهذه النسخة تساعد ما تقدم من كون العمامة تحت المغفر ، والله أعلم .

قال ميرك : حديث عمرو بن حريث في معنى حديث جابر وأورده من طريقين ، وزاد في الطريق الثاني خطب الناس أي يوم فتح مكة ، وهذه الخطبة عند باب الكعبة على ما يفهم من كلام العسقلاني ، وأخرج مسلم من طريق أبي أسامة عن مساور ، قال : حدثني جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه ، قال : كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وعليه عمامة سوداء ، قد أرخى طرفيها بين كتفيه ، وقوله : طرفيها بالتثنية في أكثر نسخ مسلم ، وفي بعضها بالإفراد قال القاضي عياض : وهو الصواب المعروف انتهى . وقد لبس السواد جماعة كعلي يوم قتل عثمان وغيره ، كالحسن كان يخطب بثياب سود وعمامة سوداء ، أو عصابة وابن الزبير كان يخطب بعمامة سوداء ، ومعاوية فإنه لبس عمامة سوداء وجبة سوداء وعصابة سوداء ، وأنس وعبد الله بن حذاء وعمار كان يخطب كل جمعة بالكوفة وهو أميرها وعليه عمامة سوداء ، وابن المسيب كان يلبسها في العيدين ، وابن عباس كان يعتم بها وورد بسند واه هبط علي جبريل وعليه قباء أسود وعمامة سوداء ، فقلت : ما هذه الصورة لم أرك هبطت بها علي ، قال هذه صورة الملوك من ولد العباس عمك ، قلت : وهم على حق ، قال جبريل : نعم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم اغفر للعباس وولده حيث كانوا ، وأين كانوا ، قال جبريل : ليأتين على أمتك زمان يعز الله فيه الإسلام بهذا السواد ، فقلت : رياستهم ممن ؟ قال من ولد العباس ، قلت : ومن أتباعهم ؟ قال : من أهل خراسان ، قلت : وأي شيء يملكون ؟ قال : الأخضر والأصفر والحجر والمدر والسرير والمنبر والدنيا إلى المحشر ، والملك إلى المنشر ، وسأل الرشيد الأوزاعي عنه ، فأجابه بأنه يكرهه ; لأنه لا يجلى فيه عروس ، ولا يلبي فيه محرم ، ولا يكفن فيه ميت ، قال النووي في حديث جواز لبس الأسود في الخطبة ، وإن كان الأبيض أفضل منه .

التالي السابق


الخدمات العلمية