صفحة جزء
( حدثنا محمد بن سهل بن عسكر وعبد الله بن عبد الرحمن قالا : أخبرنا ) وفي نسخة صحيحة أنبأنا ( يحيى بن حسان ) بالصرف وعدمه ( حدثنا سليمان بن بلال عن هشام بن عروة عن أبيه ، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : نعم الإدام الخل ) رواه مسلم أيضا ( قال عبد الله بن عبد الرحمن في حديثه ) أي في روايته ( نعم الأدم ) بضم فسكون وبضمتين ( أو الإدام ) ومعناهما واحد ( الخل ) يعني وقع [ ص: 246 ] الشك في حديثه دون حديث محمد بن سهل بن عسكر ، فقول ابن حجر شك من أحد رواته ، على الإبهام لا يلائم المقام ، وقول الحنفي : أو للتخيير بعيد عن المرام .

قال النووي والقاضي عياض : معناه مدح الاقتصاد في المأكل ، ومنع النفس من ملاذ الأطعمة ، والتقدير ائتدموا بالخل ، وما في معناه مما تخف مؤنته ، ولا يعز وجوده ، ولا تتأنقوا في الشهوات ، فإنها مفسدة في الدين ، مقصمة للبدن ، هذا كلام الخطابي ومن تابعه .

والصواب الذي ينبغي أن يجزم به أنه مدح للخل نفسه ، وأما الاقتصاد في المطعم ، وترك الشهوات ، فمعلوم من قواعد أخر ، انتهى .

ولا يخفى أنه غير ظاهر لدى أولي الألباب ، فضلا عن أن يكون هو الصواب ، إذ ثبت أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يمدح طعاما ، ولا يذمه ، فإن في الأول شائبة الشهوة ، وفي الثاني احتقار النعمة .

وأما قول ابن حجر : فإنه قامع للصفراء ، نافع للأبدان ، فلا يصلح أن يكون تعليلا لمدحه صلى الله عليه وسلم إياه تفضيلا ، فإنه من الحكميات التي لا يخلو شيء منها عن فائدة ، وخاصية عند الأطباء ، كما يعلم من خواص الأشياء ، وهو لا يناسب أن يحمل كلام سيد الأنبياء .

ورواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في مسلم . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل أهله الأدم ، فقالوا : ما عندنا إلا خل ، فدعا به فجعل يأكل ، وهو يقول : نعم الإدام الخل .

وفي الحديث استحباب التحديث على الأكل تأنيسا للآكلين .

وعن أم سعد رضي الله عنها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " نعم الإدام الخل ، اللهم بارك في الخل " ، وفي رواية : " فإنه كان إدام الأنبياء من قبلي " .

وفي حديث : " لم يفقر بيت فيه خل " .

رواهن ابن ماجه ، وفي الرواية الثانية ، رد على ابن حجر حيث قال : الثناء عليه بذلك هو بحسب الحال الحاضر ، لا لتفضيله على غيره ، خلافا لمن ظنه ; لأن سبب الحديث أن أهله قدموا له خبزا ، فقال : أما من أدم ، فقالوا ما عندنا إلا خل ، فقال : نعم الإدام الخل .

جبرا وتطييبا لقلب من قدمه ، لا تفضيلا له على غيره ، إذ لو حضر نحو لحم أو عسل أو لبن لكان أولى بالمدح منه ، انتهى .

ولا يخفى أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، مع أن الحديث ليس فيه إلا مدحه ، لا أنه أفضل من سائر الأدم ، هذا وفي طلبه صلى الله عليه وسلم الإدام إشارة إلى أن أكل الخبز مع الإدام من أسباب حفظ الصحة ، بخلاف الاقتصار على أحدهما ، واستفيد من كونه أدما أن من حلف لا يأكل أدما حنث به ، وهو كذلك لقضاء العرف بذلك أيضا ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية