صفحة جزء
( حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس عن إسحاق بن عبد الله ) قيل : هو أخو الأخياف لأنس بن مالك ( بن أبي طلحة ) قيل : اسمه زيد بن سهل ( أنه ) أي إسحاق ( سمع أنس بن مالك يقول : إن خياطا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ) قال العسقلاني : لم أقف على اسمه ، لكن في رواية ثمامة عن أنس أنه كان غلام النبي صلى الله عليه وسلم وفي لفظه أن مولى خياطا دعاه ( لطعام صنعه فقال ) وفي نسخة قال : أي إسحاق ، فقال : ( أنس فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الطعام ) يعني بطلب مخصوص أو تبعا له لكونه خادما له صلى الله عليه وسلم ( فقرب ) بتشديد الراء المفتوحة أي فقدم الخياط ( إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خبزا من شعير ومرقا ) بفتحتين ( فيه دباء ) بضم دال ، وتشديد موحدة وبالمد ويقصر ، القرع، الواحدة : دباءة ( وقديد ) أي لحم مملوح مجفف في الشمس أو غيرها ، فعيل بمعنى مفعول ، والقد القطع طولا كالشق كذا في النهاية ، وفي السنن عن رجل ذبحت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة ونحن مسافرون ، فقال : أملح لحمها ، فلم أزل أطعمه منه إلى المدينة ( قال أنس : فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتتبع ) أي يتطلب ( الدباء حوالي القصعة ) [ ص: 256 ] وفي المتفق عليه من حوالي القصعة ، وهو بفتح اللام وسكون الياء ، وإنما كسر هنا لالتقاء الساكنين ، وهو مفرد اللفظ مجموع المعنى ، أي جوانبها ، أما بالنسبة لجانبه دون جانب البقية أو مطلقا ، ولا يعارضه نهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك ; لأنه للقذر والإيذاء وهو منتف فيه صلى الله عليه وسلم ; لأنهم كانوا يودون ذلك منه لتبركهم بآثاره صلى الله عليه وسلم حتى نحو بصاقه ومخاطه ، يدلكون بها وجوههم ، وقد شرب بعضهم بوله ، وبعضهم دمه ، وجاء في رواية أخرى عن أنس أنه قال : فلما رأيت ذلك جعلت أتتبعه إليه ولا أطعمه ، وفيه دليل على أن الطعام إذا كان مختلفا يجوز أن يمد الآكل يده إلى ما لا يليه ، إذا لم يعرف من صاحبه كراهة ، ويقال : رأيت الناس حوله وحوليه ، وحواليه واللام مفتوحة في الجميع ولا يجوز كسرها ، ويقال : حوالي الدار ، قيل : كأنه في الأصل حوالين ، كقولك : جانبين فسقطت النون ، للإضافة والصحيح هو الأول ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : اللهم حوالينا ولا علينا ، ثم القصعة بفتح القاف هي التي يأكل منها عشرة أنفس ، كذا في مهذب الأسماء ، وفي بعض النسخ حوالي الصحفة وهي التي يأكل منها خمسة أنفس على ما في المهذب ، والصحاح وغيرهما ، وأغرب ابن حجر وقال : هي تسع ضعفي ما تسع القصعة ، وقيل : هما بمعنى واحد ( فلم أزل أحب الدباء ) أي محبة شرعية لا طبيعية ، أو المراد أحبها محبة زائدة ( من يومئذ ) بكسر الميم على أنه معرب مجرور بمن ، وفي نسخة بفتحها ، على اكتساب البناء من المضاف إليه ، وروي بعد يومئذ فقيل : يجوز أن لا يكون بعد مضافا إلى ما بعده ، بل مقطوعا عن الإضافة ، فحينئذ يومئذ بيان للمضاف إليه المحذوف ، وأن يكون مضافا إليه ، فيجوز الوجهان ، كما قرئ بهما في قوله تعالى : من عذاب يومئذ في السبعة وفي الحديث جواز أكل الشريف طعام من دونه من محترف وغيره ، وإجابة دعوته ومؤاكلة الخادم ، وبيان ما كان في النبي صلى الله عليه وسلم من التواضع واللطف بأصحابه ، وتعاهدهم بالمجيء إلى منازلهم ، وفيه الإجابة إلى الطعام ، ولو كان قليلا ، ذكره العسقلاني ، وأنه يسن محبة الدباء لمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذا كل شيء كان يحبه ذكره النووي ، وأن كسب الخياط ليس بدنيء .

التالي السابق


الخدمات العلمية