صفحة جزء
( حدثنا علي بن حجر ، حدثنا إسماعيل بن جعفر ، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الأنصاري أبو طوالة ) بضم الطاء كان قاضي المدينة [ ص: 270 ] زمن عمر بن عبد العزيز ( أنه سمع أنس بن مالك يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فضل عائشة على النساء ، كفضل الثريد على سائر الطعام ) قال ابن حجر : أي على جميع النساء حتى آسية ، وأم موسى ، فيما يظهر ، وإن استثنى بعضهم آسية وضم إليها مريم ، وما قاله فيهما محتمل لحديث : فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ، إلا مريم بنت عمران .

وفي رواية لابن أبي شيبة بعد مريم بنت عمران ، وآسية امرأة فرعون ، وخديجة بنت خويلد ، فإذا فضلت فاطمة ، فعائشة أولى وذهب بعضهم إلى تأويل النساء بنسائه صلى الله عليه وسلم ، لتخرج مريم وأم موسى وحواء وآسية ، ولا دليل له على هذا التأويل في غير مريم وآسية ، نعم . تستثنى خديجة ، فإنها أفضل من عائشة على الأصح ; لتصريحه صلى الله عليه وسلم لعائشة بأنه لم يرزق خيرا من خديجة ، وفاطمة أفضل منهما ، إذ لا يعدل بضعته صلى الله عليه وسلم أحد ، وبه يعلم أن بقية أولاده صلى الله عليه وسلم كفاطمة ، وأن سبب الأفضلية ما فيهن من البضعة الشريفة ، ومن ثمة حكى السبكي عن بعض أئمة عصره ، أنه فضل الحسن والحسين على الخلفاء الأربعة ، أي من حيث البضعة لا مطلقا ، فهم أفضل منها علما ومعرفة وأكثر ثوابا وآثارا في الإسلام ، قلت : إذا لوحظت الحيثية فما يوجد أفضل على الإطلاق مطلقا ; ولذا قيل : أن عائشة أفضل من فاطمة ; لأن كلا منهما تكون مع زوجيهما في الجنة ، ولا شك في تفاوت منزلتهما ، هذا وقد قال السيوطي في إتمام الدراية شرح النقاية ، ونعتقد أن أفضل النساء مريم بنت عمران ، وفاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم ، روى الترمذي وصححه .

حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، وآسية امرأة فرعون .

وفي الصحيحين من حديث علي : " خير نسائها مريم بنت عمران ، وخير نسائها خديجة بنت خويلد " ، وفي الصحيح : " فاطمة سيدة نساء هذه الأمة " ، وروى النسائي عن حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : هذا ملك من الملائكة ، استأذن ربه ليسلم علي وبشرني أن حسنا وحسينا سيدا شباب أهل الجنة ، وأمهما سيدة نساء أهل الجنة .

وروى الطبراني عن علي مرفوعا ، إذا كان يوم القيامة قيل : يا أهل الجمع غضوا أبصاركم ، حتى تمر فاطمة بنت محمد ، وفي هذه الأحاديث دلالة على تفضيلها على مريم خصوصا ، إذا قلنا : بالأصح أنها ليست نبية ، وقد تقرر أن هذه الأمة أفضل من غيرها ، وروى الحارث بن أبي أسامة في مسنده بسند صحيح ، لكنه مرسل ، مريم خير نساء عالمها ، وفاطمة خير نساء عالمها ، رواه الترمذي موصولا من حديث علي بلفظ : " خير نسائها مريم ، وخير نسائها فاطمة " ، قال الحافظ أبو الفضل ابن حجر : والمرسل يفسر المتصل ، قلت : يعكر عليه ما أخرجه ابن عساكر عن ابن عباس مرفوعا ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سيدة نساء أهل الجنة مريم بنت عمران ، ثم فاطمة ، ثم خديجة ، ثم آسية امرأة فرعون .

وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فاطمة سيدة نساء العالمين ، بعد مريم بنت عمران " ، وأخرج ابن أبي شيبة عن مكحول قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خير نساء ركبن الإبل نساء قريش ، أحناه على ولد في صغره [ ص: 271 ] وأرعاه على بعل في ذات يده ، ولو علمت أن مريم بنت عمران ركبت بعيرا ما فضلت عليها أحدا " ، ثم قال : ونعتقد أن أفضل أمهات المؤمنين خديجة وعائشة .

قال صلى الله عليه وسلم : كمل من الرجال كثير ، ولم يكمل من النساء إلا مريم وآسية وخديجة ، وفضل عائشة على النساء ، كفضل الثريد على سائر الطعام .

وفي التفضيل بينهما أقوال ثالثها الوقف ، قلت : وقد صحح العماد بن كثير ، أن خديجة أفضل لما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال لعائشة حين قالت : قد رزقك الله خيرا منها ، فقال : لا والله ما رزقني الله خيرا منها ، آمنت بي حين كذبني الناس ، وأعطتني مالها حين حرمني الناس .

وسئل ابن داود ، فقال : عائشة أقرأها النبي صلى الله عليه وسلم السلام من جبريل وخديجة أقرأها السلام جبريل من ربها ، فهي أفضل على لسان محمد ، فقيل : فأي أفضل فاطمة أم أمها ؟ قال : فاطمة بضعة النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا نعدل بها أحدا .

وسئل السبكي ، فقال : الذي نختاره وندين الله به أن فاطمة بنت محمد أفضل ، ثم أمها خديجة ، ثم عائشة ، وعن ابن العماد ، أن خديجة إنما فضلت على فاطمة باعتبار الأمومة ، لا السيادة ، انتهى . والحاصل أن الحيثيات مختلفة ، والروايات متعارضة ، والمسألة ظنية ، والتوقف لا ضرر فيه قطعا ، فالتسليم أسلم ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية