صفحة جزء
( حدثنا أبو بكر محمد بن نافع البصري ) قيل هذا مجهول ; لأنه لم يوجد في كتب الرجال ، فلعله محمد بن واسع البصري ( حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، عن إسماعيل بن مسلم العبدي ، عن أبي المتوكل ) اسمه علي بن داود ، أو علي بن دؤاد بضم الدال بعده واو [ ص: 96 ] بهمزة ذكره ميرك ( عن عائشة قالت : قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بآية من القرآن ليلة ) أي : ليلة واحدة ، وهذا الحديث رواه النسائي ، وابن ماجه عن أبي ذر ، وكذا رواه أبو عبيدة في فضائل القرآن من حديث أبي ذر قال : قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة من الليالي فقرأ آية واحدة الليل كله حتى أصبح بها يقوم ، وبها يركع وبها يسجد ، فقال القوم : لأبي ذر أية آية هي فقال إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم فقوله بآية متعلق بقام أي : أحيى بقراءة هذه الآية ليلته كلها ، والمراد قراءتها في صلاة الليل كما يدل عليه بها يقوم وبها يركع ، وبها يسجد ; فإن قلت لا يلائمه ما ثبت في صحيح مسلم عن علي رضي الله عنه قال : نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقرأ راكعا أو ساجدا ، وكذا ما ورد فيه أيضا عن ابن عباس مرفوعا إلا أني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا أجيب بأنه لبيان الجواز إشارة إلى أن النهي تنزيهي ، أو لعل ذلك كان قبل ورود النهي ، ويمكن أن يقال المعنى كان يركع ، ويسجد بمقتضى تلك الآية مما يتعلق بمبناها ، ويترتب على معناها بأن يقول فيهما سبحان ربي العزيز الحكيم ، اللهم اغفر لنا ولا تعذبنا ، وارحم أمتي ، ولا تعذبهم فإنهم عبادك ، واغفر لهم ; فإنك أنت العزيز الحكيم ، ونحو ذلك والله أعلم . وبهذا الحديث تبين ضعف ما ذكره ابن حجر من احتمال أنه كان يكررها في قيام ركعة واحدة إلى أن يطلع الفجر على أن النهي ورد عن البتيراء ، فلا يجوز حمل الحديث على ما اختلف في جوازه العلماء ، وكذا احتمال أنه لم يكن في صلاة بل قرأها خارجها فاستمر يكررها إلى الفجر ، وهو قائم أو قاعد ، فيكون معنى قام من قام بالأمر أخذه بقوة وعزم من غير فتور ; فإن الأحاديث يفسر بعضها بعضا ، نعم يحتمل أن بعض قراءتها في الصلاة ، وبعضها خارجها والله أعلم ، وإنما داوم على تكرير مبانيها ، والتفكير في كثرة معانيها لما أنه - صلى الله عليه وسلم - غشيته عند قراءتها ، وحالة تلاوتها من هيبة ما ابتدئت به من العذاب ما أوجب اشتعال نار خوف الحجاب ، ومن حلاوة ما اختتمت به من الغفران ما اقتضى الطرب والسرور في الجنان رجاء لغرفات الجنان ، ولذة النظر في ذلك المكان ، وفي الآية من الأسرار الموجبة للإسرار أنه لما ذكر العقوبة عللها بوصف العبودية إشارة إلى عظم تجليه بوصف الاستحقاق ، والعدل الذي هو بعض تجليه إذ لم يتصرف إلا في ملكه ، ولم يحكم إلا في ملكه ، ولما ذكر المغفرة رتب عليها صفة العزة ، والحكمة إيماء إلى أن باهر تجليه بوصف التفضل والإنعام على الخاص والعام ، المقترن بالعزة الدامغة والحكمة السابغة ، قال الله تعالى : فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين .

التالي السابق


الخدمات العلمية