صفحة جزء
( حدثنا سويد بن نصر أخبرنا ) : وفي نسخة " ثنا " . ( عبد الله بن المبارك عن يونس بن يزيد ) : أي الأيلي بفتح همزة وسكون تحتية ، أخرج حديثه الأئمة . ( عن الزهري ) : وهو ابن شهاب ، إمام جليل ، وقد سبق ذكره . ( أخبرنا عبيد الله ) : بالتصغير . ( بن عبد الله ) : بالتكبير . ( بن عتبة ) : بضم مهملة وسكون فوقية ثم موحدة ، فقيه ، ثبت ، أخرج حديثه الأئمة ، وأبوه أيضا من أعيان العلماء والراسخين تابعي كبير ، وجده عتبة أخو عبد الله بن مسعود . ( عن ابن عباس ) : كذا وصله يونس ووافقه إبراهيم بن سعد عند البخاري ، واختلف على معمر في وصله وإرساله ، قال عبد الرزاق : أنا معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة . فذكره مرسلا ، وكذا أرسله مالك حيث أخرجه في الموطأ عن زياد بن سعيد عن الزهري ، ولم يذكر من فوقه . ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسدل ) : أي يرسل ، قال ميرك : هو بفتح التحتية وسكون السين وكسر الدال المهملتين ، ويجوز ضم الدال ، أي : يترك شعر ناصيته على جبهته . ( شعره ) : أي على جبينه ، قال النووي : قال العلماء : المراد إرساله على الجبين واتخاذه كالقصة أي بضم القاف بعدها مهملة ، انتهى . وقيل : سدل الشعر إذا أرسله ولم يضم جوانبه ، وقيل : السدل أن يرسل الشخص شعره من ورائه ولا يجعله فرقتين ، والفرق أن يجعله فرقتين كل فرقة ذؤابة وهو المناسب للمقابلة بقوله : ( وكان المشركون يفرقون ) : بسكون الفاء وضم الراء وكسرها ، وروي من التفريق . ( رءوسهم ) : أي شعورها ، أي يفرقون بعضه من بعض ويكشفونه عن جبينهم ، وقال العسقلاني : الفرق قسمة الشعر ، والمفرق وسط الرأس وأصله من الفرق بين الشيئين . ( وكان أهل الكتاب يسدلون رءوسهم ) : أي شعرها . ( وكان ) : أي هو صلى الله عليه وسلم . ( يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ) : أي من أمر ونهي ، وهو إما [ ص: 97 ] لمناسبة قرب الجنسية في مشاركة التوحيد والنبوة وسائر القواعد الحنيفية ، وإما لإرادة الفهم وتقريبهم إلى الحق فإنهم أقرب إلى الإيمان ، فهم بالألفة أحق وأليق ، قال ميرك : فإن أهل الكتاب كانوا متمسكين ببقايا من شرائع الرسل ، فكانت موافقتهم أحب إليه من موافقة عبدة الأوثان . واستدل به على أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يجئ في شرعنا بما يخالفه ، وعكسه بعضهم واستدل به على أنه ليس بشرع لنا لأنه لو كان كذلك لم يقل " يحب " بل كان يتحتم الاتباع . والحق أنه لا دليل في هذه المسألة ; لأن القائل به يقصره على ما ورد في شرعنا أنه شرع لهم لا ما يؤخذ عنهم إذ لا توثيق بنقلهم ، قال النووي : اختلفوا في تأويل موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه فيه شيء فقيل : فعله ائتلافا لهم في أول الإسلام وموافقة لهم على مخالفة عبدة الأوثان ، فلما أغناه الله تعالى عن ذلك وأظهر الإسلام خالفهم في أمور كصبغ الشيب وغير ذلك ، انتهى . حيث ورد أن أهل الكتاب لا يصبغون فخالفوهم ، ومنها صوم يوم عاشوراء ، ثم أمر بنوع مخالفة لهم فيه بصوم يوم قبله أو بعده ، ومنها استقبال القبلة ، ومخالفتهم في مخالطة الحائض ، ومنها النهي عن صوم يوم السبت ، وقد جاء ذلك من طرق متعددة في النسائي وغيره ، وصرح أبو داود بأنه المنسوخ ، وناسخه حديث أم سلمة أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم السبت ويوم الأحد يتحرى ذلك ويقول : " إنهما يوما عيد الكفار وأنا أحب أن أخالفهم " . وفي لفظ : ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان أكثر صيامه يوم السبت والأحد . أخرجه أحمد والنسائي ، وأشار بقوله : " يوما عيد " أن السبت عيد اليهود ، والأحد عيد النصارى . وقال آخرون : يحتمل أنه أمر باتباع شرائعهم فيما لم يوح إليه بشيء ، وعلم أنهم لم يبدلوه . ( ثم فرق ) : بالتخفيف ويشدد . ( رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه ) : أي شعره بأن ألقى شعر رأسه إلى جانبيه ولم يترك منه شيئا على جبهته ، قالوا : والفرق سنة لأنه الذي رجع إليه صلى الله عليه وسلم . والظاهر أنه إنما رجع إليه بوحي لقوله : " ما لم يؤمر فيه بشيء " . وقال القاضي عياض : نسخ السدل فلا يجوز فعله ولا اتخاذ الناصية والجمة ، قال : ويحتمل أن المراد جواز الفرق لا وجوبه ، ويحتمل أن الفرق كان اجتهادا في مخالفة أهل الكتاب لا بوحي ، فيكون الفرق مستحبا ، انتهى . ولعل حكمة عدوله عن موافقة أهل الكتاب هنا أن الفرق أقرب إلى النظافة وأبعد عن الإسراف في غسله وعن مشابهة النساء ، قال ابن حجر : ومن ثم كان الذي يتجه أن محل جواز السدل حيث لم يقصد به التشبه بالنساء وإلا حرم من غير نزاع ، انتهى . ويؤيد جواز السدل ما روي أن من الصحابة من يسدل ومنهم من يفرق ، ولم يعب بعضهم على بعض ، فلو كان الفرق واجبا لما سدلوا بعد ذلك ، وقال القرطبي : إنه مستحب ، وحكي ذلك عن عمر بن عبد العزيز ، وهو قول مالك والجمهور ، وذكر النووي : الصحيح جوازه . قال ابن حجر : [ ص: 98 ] وزعم نسخه يحتاج لبيان ناسخه وأنه متأخر عن المنسوخ ، وفيه أن الحديث يدل على المتأخر . نعم ، قالالقرطبي : أما توهم النسخ فليس بشيء لإمكان الجمع ، لكن العسقلاني قال : جزم الحازمي أن السدل نسخ بالفرق ، واستدل برواية معمر عن الزهري عن عبد الله بلفظ " ثم أمر بالفرق " ، وكان الفرق آخر الأمرين ، أخرجه عبد الرزاق في مصنفه ، وهو ظاهر والله أعلم ، وقد روى ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر ، عن عروة ، عن عائشة قالت : أنا فرقت لرسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه عن يافوخه . ومن طريقه أخرجه أبو داود : إذا فرقت لرسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه صدعت فرقة عن يافوخه وأرسلت ناصيته بين عينيه . قال بعض شراح الحديث : اليافوخ مؤخر الرأس مما يلي القفا ، يعني : أحد طرفي ذلك الخط عند اليافوخ والطرف الآخر عند جبهته محازيا لما بين عينيه ليكون نصف الشعر من يمين ذلك الفرق ونصفه من يساره . وقال الشارح زين العرب : الفرق بسكون الراء ، الخط الظاهر من شعر الرأس إذا قسم نصفين ، وذلك الخط بياض بشرة الرأس الذي يكون بين شعر الرأس .

التالي السابق


الخدمات العلمية