صفحة جزء
( حدثنا محمود بن غيلان حدثنا معاوية بن هشام حدثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن عبيدة ) بفتح عين فكسر موحدة ( عن عبد الله ) أي : ابن مسعود كما في نسخة ( قال : قال ) أي : لي كما في نسخة ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اقرأ علي ) أي : وهو على المنبر كما في رواية الصحيحين كذا ذكره الحنفي لكن قال ميرك : وقع في رواية الأعمش عند البخاري بلفظ قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر ، ووقع في رواية محمد بن فضالة الظفري أن ذلك كان وهو في بني ظفر أخرجه ابن أبي حاتم ، والطبراني وغيرهما من طريق يونس بن محمد بن فضالة عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتاهم في بني ظفر ، ومعه ابن مسعود ، وأناس من أصحابه أمر قارئا فقرأ فأتى على هذه الآية فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا فبكى حتى ضرب لحياه ، ووجنتاه فقال : يا رب هذا شهدت على من يأتي بين ظهراني فكيف لمن لم أره ، وأخرج ابن المبارك في الزهد من طريق سعيد بن المسيب قال : ليس من يوم إلا يعرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - غدوة وعشية فيعرفهم بسيماهم وأعمالهم فلذلك يشهد عليهم ، ففي هذا المرسل ما يرفع الإشكال الذي تضمن حديث محمد بن فضالة انتهى .

والحاصل أنهما قضيتان ، ويحتمل أن القارئ في بني ظفر أيضا هو ابن مسعود لكونه موجودا فيهم لكنه خلاف المتبادر من التنكير في قوله فأمر قارئا والله أعلم .

( فقلت : يا رسول الله أقرأ ) أي : وأقرأ ( عليك وعليك أنزل ) أي : القرآن من رب رحيم على لسان رسول كريم ( قال : إني أحب أن أسمعه من غيري ) أي : كما أحب أن أسمعه غيري ، قال ابن بطال : يحتمل أن يكون أحب سماع القرآن من غيره ليكون عرض القرآن سنة ، ويحتمل أن يكون لكي يتدبره ، ويفهمه وذلك أن المستمع أقوى على التدبر ، وأنشط على التفكر من القارئ لذلك لاشتغاله بالقرآن ( فقرأت سورة النساء حتى بلغت ) أي : أنا وجئنا بك على هؤلاء أي : على أمتك أو هؤلاء الأنبياء شهيدا أي : مزكيا أو مثنيا أو شاهدا وحاضرا ( قال ) أي : ابن مسعود ( فرأيت عيني النبي - صلى الله عليه وسلم - تهملان ) بفتح التاء وكسر الميم وضمها أي : تسيلان دموعا وفي الصحيحين [ ص: 146 ] حتى أتيت هذه الآية فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا قال : حسبك الآن ، فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان .

وذرفت العين سال دمعها من حد ضرب ، قال المظهر : معنى الآية كيف حال الناس في يوم تحضر أمة كل نبي ، ويكون بينهم شهيدا بما فعلوا من قبولهم النبي أو ردهم إياه ، وكذلك يفعل بك وبأمتك انتهى .

وتعقبه الطيبي بما لا طائل تحته عند ذوي النهى ، قال ابن بطال : إنما بكى - صلى الله عليه وسلم - عند تلاوة هذه الآية أنه مثل لنفسه أهوال يوم القيامة ، وشدة الحال الداعية إلى شهادته لأمته بالتصديق ، وسؤاله الشفاعة لأهل الموقف ، وهو أمر يحق له طول البكاء انتهى .

والذي يظهر أنه بكى رحمة لأمته ; لأنه علم أنه لا بد أن يشهد بعملهم ، وعملهم قد لا يكون مستقيما فقد يفضي إلى تعذيبهم ذكره العسقلاني ، وما قاله ابن بطال أظهر مع أنه لا منع من الجمع ، وأما ما قاله الحنفي من أنه يمكن أن يكون بكاؤه للسرور من خطاب الله عليه بأنك شاهد عليهم فكلام مردود لا يقبله الذوق السليم على ما قاله ميرك شاه .

وأما قول ابن حجر تبعا للحنفي يؤخذ منه استحباب القراءة في مجلس الوعظ والواعظ على المنبر ، وحل استماع العالي لقراءة السافل فباطل أيضا ; لأنه ليس في شيء من طرق هذا الحديث التصريح بأنه - صلى الله عليه وسلم - قال هذا الكلام لابن مسعود في أثناء الوعظ ، والنصيحة للصحابة ، ومجرد الجلوس على المنبر لا يدل على الوعظ لاحتمال أن يكون لمصلحة أخرى كما أفاده ميرك شاه ، نعم فيه جواز أمر السامع للقارئ بقطع القراءة إذا عرض له أمر .

التالي السابق


الخدمات العلمية