صفحة جزء
( حدثنا ) : وفي نسخة ثنا . ( محمد بن بشار ) : بفتح الموحدة وفتح المعجمة المشددة وهو ابن عثمان بن كيسان البصري المعروف ببندار ، كنيته أبو بكر ، سمع محمد بن جعفر وخلقا ، روى عنه ابن إسحاق وخلق ، وهو من كبار الآخذين عن تبع التابعين ممن لم يلق التابعين . ( يعنى العبدي ) : قال شيخنا ميرك شاه : كذا وقع في أصل سماعنا يعنى بصيغة الغائب ، فيحتمل أن يكون قائله المصنف على طريق الالتفات وهو الظاهر ، ويحتمل أن يكون من كلام بعض تلامذته وقد جرت عادة الرواة إدراج كلامهم في تصانيف مشايخهم كصنيع من روى الصحيحين عن الشيخين البخاري ومسلم ، ويجوز أن يقرأ " نعني " بالنون على وزان حدثنا وحينئذ لا شك في أنه من كلام المؤلف ، لو كان الرواية مساعدة له ، هذا وقد سرق بعض المنتحلين هذا التحقيق من كلامنا وأورده في شرحه إظهارا أنه من عند نفسه فلا تغتر به فإنه ليست له رواية معتبرة في هذا الكتاب ، والله الهادي للصواب ، انتهى . وأراد ببعض المنتحلين ملا حنفي فإنه ذكر ما ذكر بعينه وأقول الظاهر أنه من كلام التلامذة لتكف الالتفات وعدم صحته إلا على مذهب السكاكي ، ولو قيل على التجريد لكان له وجه أيضا ، ولو قرئ مجهولا لكان أوجه لولا أنه مخالف للنسخ المضبوطة لكن يؤيده ما قاله العصام أو لتنزيله منزلة أي المفسرة إذ لا قصد إلا التفسير ويعنى على صيغة الغيبة رواية ودراية إذ لا يلائم جعله كحدثنا لعدم مشاركتهما في تشريك الغير إذ التشريك في التحديث دون العناية بلفظ محمد بن بشار ، انتهى . ومما يؤيد أنه من كلام غيره أنه لو كان من كلامه لما احتاج إلى قوله يعني بل قال من أول الوهلة محمد بن بشار العبدي كما في سائر الأسماء المنسوبة ، ثم العبدي على ما في القاموس نسبة إلى عبد قيس وهو قبيلة من ربيعة .

( حدثنا محمد بن جعفر ) : أي أبو عبد الله البصري المعروف بغندر ، أخرج حديثه الأئمة الستة في صحاحهم ، روى عن شعبة بن الحجاج وجالسه نحوا من عشرين سنة ، وروى عنه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين . ( حدثنا شعبة ) : كان الثوري يقول هو أمير المؤمنين في الحديث وهو ابن [ ص: 19 ] بسطام - بكسر الموحدة وسكون السين المهملة - بن الحجاج العتكي مولاهم بصري الأصل كان إماما من أئمة المسلمين وركنا من أركان الدين به حفظ الله أكثر الحديث ، قال الشافعي : لولا شعبة ما عرف الحديث بالعراق ، سمع الحسن والثوري وخلقا كثيرا ، وهو من كبار أتباع التابعين . ( عن أبي إسحاق ) : أي راويا عنه ، وقال العصام متعلق بحدثنا شعبة ، قال ميرك : اسمه عمرو بن عبد الله السبيعي الهمداني الكوفي رأى عليا وخلقا ، وهو تابعي مشهور كثير الرواية ، ولد لسنتين من خلافة عثمان . ( قال ) : أي أنه قال : ( سمعت البراء ) : على وزن سحاب وحكي فيه القصر ، وهو أبو عمارة أول مشهد شهده الخندق ، وهو من المشاهير ، نزل الكوفة وافتتح الري ومات بالكوفة أيام مصعب بن الزبير . ( ابن عازب ) : بكسر الزاي صحابيان . ( يقول ) : حال وقال العصام مفعول ثان . ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا ) : بفتح الراء وكسر الجيم وهو الذي بين الجعودة والسبوطة ، قال الأصمعي وغيره وفي الجامع شعر رجل إذا لم يكن شديد الجعودة ولا شديد السبوطة بينهما ، ووقع في الروايات المعتمدة بضم الجيم فيحتمل أن يكون المراد به المعنى المتبادر المتعارف الذي يراد بلفظ الرجل وهو المقابل للمرأة ومعناه واضح ، وهو خبر موطئ لأن الخبر في الحقيقة قوله . ( مربوعا ) : إذ هو يفيد الفائدة المعتد بها والمراد به أنه كان لا طويلا ولا قصيرا ، فيوافق ما تقدم في الحديث السابق " كان ربعة " ، ويحتمل أن يراد به شعره الأطهر صلى الله عليه وسلم إذ الرجل بكسر الجيم وفتحها وضمها وسكونها بمعنى واحد وهو الذي في شعره تكسر يسير كما يفهم من كلام الشيخ ابن حجر العسقلاني في شرح صحيح البخاري ويؤيده ما صح في بعض النسخ بكسر الجيم وسكونها وحينئذ لا يحتاج إلى توطئة الخبر ، وكان هذا المعنى أصوب ; إذ لا يليق بحال الصحابي وصف النبي صلى الله عليه وسلم بكونه رجلا بالمعنى المتبادر منه ، ولم يسمع في غير هذا الخبر ذكر أحد من الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعنوان كان رجلا كذا بل الظاهر أنه من زيادة بعض الرواة ممن دون الصحابي فإن الحديث سيأتي في باب شعر النبي صلى الله عليه وسلم عن البراء بلفظ " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مربوعا " إلى آخره ، وكذا أخرجه البخاري ومسلم أيضا بدون لفظ " رجل " ، كذا حققه ميرك شاه رحمه الله ، لكن الطعن في الرواة مستبعد لأن زيادة الثقة مقبولة إجماعا والأحسن أن يحمل على المعنى المرادف أو على المتعارف ، ويراد به كامل الرجولية أو موطئ للخبر ، وهو كثير في العرف يقال فلان رجل كريم ورجل صالح ، قد جاء في القرآن " أنتم قوم تجهلون " ، " أنتم قوم مسرفون " ، فقوله " مربوعا " صفة لرجل على هذا المعنى وخبر آخر لكان على [ ص: 20 ] ذلك المعنى ، وكذا إعراب قوله . ( بعيد ما بين المنكبين ) : والبعيد ضد القريب ويقرأ مضافا إلى ما بين المنكبين ، وقيل وقع في بعض نسخ البخاري بعيدا ما بين المنكبين بدون الإضافة وما موصولة أو موصوفة وقيل زائدة ولا وجه له ، وأراد ببعيد ما بينهما السعة ; إذ هي علامة النجابة ، وقيل " بعد ما بينهما " كناية عن سعة الصدر وشرحه الدال على الجود والوقار ، قال العسقلاني : المنكب مجمع عظم العضد والكتف ومعناه عريض أعلى الظهر ، انتهى . وهو مستلزم لعرض الصدر ومن ثم وقع عند أبي سعد رحيب الصدر ، ووقع في بعض النسخ بصيغة التصغير وهو تصغير ترخيم كغلام وغليم ، والأصل في تصغيرهما بعيد وعليم بتشديد الياء فيهما ، ثم في هذا التصغير إشارة إلى تصغير البعد المذكور أي أن طول ما بين منكبيه الشريفين لم يكن متناهيا إلى العرض الوافي المنافي للاعتدال الكافي ، وأما قول العصام : وقد يروى مصغرا فمحل نظر ; إذ لا يلزم من النسخة الرواية ولذا قال ابن حجر : وقيل بالتصغير وهو غريب بل في صحته نظر ، وفي بعض النسخ بعيد بالرفع على تقدير هو ، وكذا . ( عظيم الجمة ) : بضم الجيم وتشديد الميم أي كثيفها ، في النهاية : الوفرة الشعر إلى شحمتي الأذن واللمة دون الجمة ; سميت بذلك لأنها ألمت بالمنكبين ، والجمة من شعر الرأس : ما سقط على المنكبين ، ونقل الجزري أن هذا قول أهل اللغة قاطبة ، وفي المقدمة للزمخشري أن الجمة هي الشعر إلى شحمتي الأذن ، قال ميرك : وهذا هو الموافق لكلام جمهور أهل اللغة كما نقله العسقلاني عن بعض مشايخه ، قال ملا حنفي : يمكن أن يكون في حال جمعها إلى شحمة الأذن ويلائمه عظمها ووصولها إلى المنكب في حال إرسالها ، انتهى . ويؤيده ما في الصحاح : الجمة ; الشعر المجموع على الرأس ، وما في ديوان الأدب : أن الجمة ; الشعر مطلقا ، وينصره كلام العسقلاني : أن الجمة هي مجتمع الشعر إذا تدلى من الرأس إلى شحمة الأذن وإلى المنكبين وإلى أكثر من ذلك ، وأما الذي لا يجاوز الأذنين فهو الوفرة ويعضده قوله : ( إلى شحمة أذنيه ) : بناء على أنه صفة للجمة بتقدير الواصلة معرفا باللام أو حال منها أي واصلة إلى شحمة كل واحد من أذنيه ، وهي ما لان منها في أسفلها وهو محل القرط ومعلقه منها ، والأذن بضمتين وسكون الذال لغتان ، والأول أكثرها والثاني أشهر ، وأفرد الشحمة مع إضافتها إلى التثنية كراهة اجتماع التثنيتين مع ظهور المراد ، وقيل أنه ظرف لغو لعظيم ; لبيان أن عظيم جمتها [ ص: 21 ] وكثرتها منتهي إلى شحمة أذنيه فالمراد به بيان نهاية غلظها وعظمها لا بيان نهاية الجمة ، وفي رواية كان شعره بين أذنيه وعاتقه ، وفي أخرى إلى أنصاف أذنيه ، وفي أخرى إلى أذنيه ، وفي أخرى يضرب منكبيه ، وفي أخرى إلى كتفيه ، وجمع القاضي عياض بأن ذلك لاختلاف الأوقات فكان إذا ترك تقصيرها بلغت المنكب وإذا قصرها كانت إلى الأذن أو شحمتها أو نصفها فكانت تطول وتقصر بحسب ذلك . ( عليه حلة ) : بضم الحاء وتشديد اللام . ( حمراء ) : وقيل حال بالضمير وحده ويؤيده رواية مسلم : " وعليه حلة حمراء " بالواو ، وفي القاموس الحلة بالضم إزار ورداء من برد أو غيره ، ولا يكون حلة إلا من ثوبين أو ثوب له بطانة ، انتهى . وقال النووي في شرح مسلم : قال أهل اللغة : الحلة لا تكون إلا ثوبين ويكون غالبا إزارا ، وقال أبو عبيد : الحلل برود اليمن ، والحلة إزار ورداء ولا تسمى حلة حتى تكون ثوبين من جنس واحد فإفراد الوصف إما بالنظر إلى لفظ الحلة أو بالنظر إلى أن الثوبين بمنزلة ثوب واحد للاحتياج إليهما معا في ستر البدن أو لأنهما من جنس واحد ، قال ابن حجر : الحديث صحيح وبه استدل إمامنا الشافعي على حل لبس الأحمر وإن كان قانيا ، وحمله على ذي الخطوط - سيأتي رده - ، قلت : قال العسقلاني : هي ثياب ذات خطوط ، انتهى . أي لا حمراء خالصة وهو المتعارف في برود اليمن وهو الذي اتفق عليه أهل اللغة ; ولذا أنصف ميرك حيث قال : فعلى هذا أي نقل العسقلاني لا يكون الحديث حجة لمن قال بجواز لبس الأحمر - وسيأتي زيادة تحقيق في باب لباسه صلى الله عليه وسلم - ، وأغرب العصام حيث غفل عن مذهبه وقال : قوله : حمراء ينافي ما ورد من المنع عن لبس الأحمر ; فلذا أول بأنه كان من البرود اليمانية التي فيها خطوط حمر غلبت حمرته ، انتهى . والحاصل أن عندنا يؤول الحمراء بالتي لها خطوط حمراء أو يعد من خصائصه صلى الله عليه وسلم بعد تسليم صحة الحديث أو يحمل لبسه على ما قبل نهيه . ( ما رأيت شيئا ) : أي من المخلوقات . ( قط أحسن منه ) : إعرابه كما تقدم ويحتمل الاستئناف لبيان إجمال جماله لتعذر تفصيل أحوال كماله ثم الأحسن أن " أحسن " مفعول ثان لرأيت على أن الرؤية عملية فإنها أبلغ من تكميل الوصفية ، ويحتمل أن يكون صفة لشيئا على أن الرؤية بصرية وهو ظاهر والمراد بنفي رؤية شيء أحسن منه نفي رؤية الأحسن والمساوي معا كما يقال ليس في البلد أفضل من زيد بمعنى أنه أفضل من كل واحد بدلالة العرف والسر فيه أن الغالب من حال كل اثنين هو التفاضل دون التساوي فإذا نفي أفضلية أحدهما ثبت أفضلية الآخر كذا [ ص: 22 ] ذكره المحققون وحاصله ما رأيت شيئا قط كان حسنه مثل حسنه صلى الله عليه وسلم بل هو كان أحسن من كل حسن ، وأما قول ابن حجر يعني مثل حسنه ; إذ أفعل قد يراد به أصل الفعل إثباتا ونفيا وإن قرن بمن خلافا لما يوهمه كلام غير واحد ، ومن ذلك قولهم : العسل أحلى من الخل والصيف أحر من الشتاء ، فمحل بحث إما أولا فلأن نفي أفعل لا يصح أن يكون بمعنى أصل الفعل ; إذ لا يوجد له مثال في كلام العرب ، وتقدير المثل خلاف الظاهر بعد خلاف الظاهر مع الاتفاق على نفيه ، وإما ثانيا فلأن من قال لا يكون أفعل بمعنى أصل الفعل إذا قرن بمن محله إذا كان يمكن مشاركة أصل الفعل كزيد أفضل من عمرو ، والمثالان المذكوران في كلامه خارجان عما نحن فيه بل يعدان في الحقيقة من المجاز فتنبه ، واعلم أنه ذكر الرضي والدماميني في شرح التسهيل أن أفعل إذا كان عاريا عن أل والإضافة ومن قد يستعمل مجردا عن معنى التفضيل مؤولا باسم الفاعل كهو أعلم بكم أي عالم أو صفة مشبهة كهو أهون عليه أي هين ، وأما مع إحداهما فلا ، وفي التسهيل : واستعماله دون من مجردا عن معنى التفضيل مؤولا باسم الفاعل والصفة المشبهة مطرد عند أبي العباس المبرد ، والأصح أنه مقصور على السماع والله أعلم ، ثم قيل : قد بالغ الصحابي حيث قال : " ما رأيت شيئا " دون أن يقول ما رأيت إنسانا ليفيد التعميم حتى يتناول الشمس والقمر ، قال العصام : وهذا مع إظهار جماله صلى الله عليه وسلم إبراز كمال إيمانه رضي الله عنه ; لأن هذا فرع كمال المحبة ، وفي لفظ قط إشعار بأنه كان من أول ما صار من أهل العلم كان كذلك ، وفيه يعلم المؤمن ما ينبغي له حتى يكون مؤمنا صادقا ولذا قال : " ما رأيت " ولم يقل " ما كان شيء أحسن منه " ، انتهى . وفيه أنه لو قال كذلك لكان صادقا أيضا إذ نفيه كان محمولا على رؤيته أو عمله ، ثم إن " قط " من الظروف المبنية مفتوح القاف مضموم الطاء المشددة ، وهذا أشهر اللغات ، وقد تخفف الطاء المضمومة وقد يضم القاف إتباعا لضمة الطاء المشددة أو المخففة ، وجاء " قط " ساكنة الطاء مثل قط الذي هو اسم فعل ; فهذه خمس لغات للماضي المنفي ، كذا في الكتب المعتبرة المشهورة في النحو .

التالي السابق


الخدمات العلمية