صفحة جزء
( حدثنا محمود بن غيلان ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا سفيان ) : أي الثوري كما في نسخة ، وقيل هو ابن عيينة . ( عن عون بن أبي جحيفة ) : حديثه في الصحاح . ( عن أبيه ) : صحابي ، مر ذكره . ( قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ) : قال ميرك : وهذه الرؤية وقعت له في بطحاء مكة في حجة الوداع ، كما صرح به في رواية البخاري ، ولفظه : أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم بالبطحاء بالهاجرة إلى آخره . وفيه : وخرج في حلة حمراء مشمرا . والبطحاء موضع خارج مكة ، ويقال له الأبطح ، قال : وعند البخاري ، قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ورأيت الناس يبتدرون بلل وضوئه ، فمن أصاب منه شيئا مسح به وجهه ، ومن لم يصب منه شيئا أخذ من بلل صاحبه . وبين في رواية مالك بن مغول أن الوضوء الذي ابتدره الناس كان فضل الماء الذي توضأ به النبي صلى الله عليه وسلم . وكذا في رواية شعبة عن الحكم عند البخاري أيضا ، وزاد من طريق شعبة عن عون عن أبيه : وقام الناس فجعلوا يأخذون يديه فيمسحون بهما وجوههم ، قال فأخذت بيده فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب رائحة من المسك . قال : وفي رواية مسلم من طريق الثوري عن عون ما يشعر بأن ذلك كان بعد خروجه من مكة ; لقوله : ثم لم يزل يصلي ركعتين حتى رجع إلى المدينة ، انتهى . وفيه أنه صلى الله عليه وسلم لم ينو الإقامة في حجة الوداع ، فلا يحتاج إلى قوله كان بعد خروجه من مكة ، والله أعلم . ( وعليه حلة حمراء ) : والحلة إزار ورداء ، كذا في المهذب ، وفي الصحاح : لا يسمى حلة حتى يكون ثوبين ، انتهى . والمراد بالحلة الحمراء بردان يمانيان منسوجان بخطوط حمر مع سود كسائر البرود اليمنية ، وهي معروفة بهذا الاسم باعتبار ما فيها من الخطوط الحمر ، وإلا فالأحمر البحت منهي عنه ومكروه لبسه لحديث أخرجه أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو قال : مر بالنبي صلى الله عليه وسلم رجل وعليه حلتان حمراوان فسلم عليه فلم يرد عليه . وحمله البيهقي على ما صبغ بعد النسج ، وأما ما صبغ غزله ثم نسج فلا كراهة فيه ، والظاهر أنه لا فرق بينهما لأنه زينة الشيطان وموجب للخيلاء والطغيان ، وقد روى الحسن [ ص: 142 ] عن النبي صلى الله عليه وسلم : أن الحمرة من زينة الشيطان . ولو سلم أنه لبس الأحمر البحت فإما أن يكون قبل النهي أو لبيان الجواز ، ومقتضى كلام الإمام محيي السنة عدم التنافي بالتخصيص ، وهذا كله يدل على أن الحديث له أصل ثابت ، فلا يصح قول بعضهم إنه حديث ضعيف الإسناد ، وسيأتي في الحديث الآتي ما يظهر لك أنه عليه الاعتماد . ( وكأني أنظر ) : أي الآن . ( إلى بريق ساقيه ) : أي لمعانهما ، ففي القاموس : برق الشيء برقا وبريقا وبرقانا أي لمع . والحنفي وهم أنه وصف فقال : لعله من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف ، وأغرب ابن حجر حيث قال : أي بياضهما ، وبريق مصدر خلافا لمن وهم فيه ، وفيه أن البياض لون الأبيض على ما في القاموس ، قالميرك : وفي رواية مالك بن مغول عن عون : كأني أنظر إلى وبيص ساقيه . وهو بفتح الواو وكسر الموحدة وسكون التحتية وآخره صاد مهملة ، البريق ، لا مصدر ثم في الحديث إشارة إلى استحباب تقصير الثياب ، وسيأتي تحقيقه فيما يخصه من الباب . ( قال سفيان ) : والمطلق من هذا الاسم يراد به الثوري كما إذا أطلق الحسن فهو البصري وإذا أطلق عبد الله فهو ابن مسعود . ( أراها ) : على صيغة المضارع المجهول المتكلم وحده ، يعني أظن الحلة الحمراء . ( حبرة ) : وفي بعض النسخ " نراه " على صيغة المجهول المتكلم مع الغير ، أي نظنه ، وتذكير الضمير باعتبار كون الحلة ثوبا ، وأما قولابن حجر : وهذا الظن لا يفيد حرمة الأحمر البحت ; لأنه لم يبين له مستندا يصلح الاستدلال به . فمدفوع بأن مستنده سيأتي صريحا في شرح الحديث الآتي ، والظاهر أنه أراد بالظن الاعتقاد ، وهو لا يتصور بدون الاستناد ، نعم ، يؤيده تقييدها في بعض الروايات بالحبرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية