صفحة جزء
( حدثنا علي بن خشرم ) : بفتح المعجمة الأولى وسكون الثانية والراء ، وهو منصرف كجعفر على ما في القاموس ، وضبط في نسخة بفتح الميم على عدم الصرف ، ولعل علته الأخرى العجمة . ( أخبرنا ) : وفي نسخة " أنبأنا " . ( عيسى بن يونس ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء بن عازب قال : ما رأيت أحدا من الناس ) : من بيانية . ( أحسن ) : تقدم ما يتعلق به . ( في حلة حمراء ) : لبيان الواقع لا للتقييد . ( من رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : متعلقة بأحسن . ( إن كانت جمته ) : بضم الجيم وتشديد الميم ، أي شعر رأسه وإن مخففة من المثقلة [ ص: 143 ] ويدل عليها اللام الفارقة بينهما وبين النافية في قوله : ( لتضرب ) : أي لتصل . ( قريبا من منكبيه ) : أي باعتبار جانبيه ، قال ميرك : ولأبي داود من حديث هلال بن عامر ، عن أبيه : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بمنى على بعيره وعليه برد أحمر . وسنده حسن ، وللطبراني بإسناد حسن عن طارق المحاربي نحوه ، قال : ففي هذه الأحاديث جواز لبس الثوب الأحمر ، واختلف العلماء فيه على أقوال : الأول : الجواز مطلقا لهذه الأحاديث . الثاني : المنع مطلقا لحديث عبد الله بن عمرو قال : رأى علي النبي صلى الله عليه وسلم ثوبين معصفرين فقال : " إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسهما " . أخرجه مسلم ، وفي لفظ له : فقلت : أغسلهما ؟ ، قال : " بل احرقهما " . والمعصفر هو الذي يصبغ بالعصفر ، وغالب ما يصبغ به يكون أحمر ; ولحديث ابن عمر : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المفدم ، وهو بالفاء وشد الدال ، وهو المصبغ بالعصفر . أخرجه البيهقي وابن ماجه ، وأخرج البيهقي في الشعب من طريق أبي بكر الهذلي ، وهو ضعيف ، عن الحسن البصري ، عن رافع بن يزيد الثقفي ، رفعه : " إن الشيطان يحب الحمرة فإياكم والحمرة وكل ثوب ذي شهرة " . وأخرجه ابن منده ، وأدخل في رواية له بين الحسن ورافع رجلا ، فالحديث ضعيف وبالغ الجورباني فقال : إنه باطل . والحق أنه ليس كذلك ، ولحديث عبد الله بن عمر ، وأخرجه أبو داود والترمذي في الجامع ، وحسنه البزار أيضا عن امرأة من بني أسد قالت : كنت في بيت زينب أم المؤمنين ونحن نصبغ ثيابا لها بمغرة إذ طلع النبي صلى الله عليه وسلم فلما رأى المغرة رجع ، فلما رأت ذلك زينب غسلت ثيابها ووارت كل حمرة ، فجاء فدخل . وفي سنده راو ضعيف . الثالث : يكره لبس الثوب المشبع بالحمرة دون ما كان صبغه خفيفا ، وكان الحجة فيه حديث ابن عمر المتقدم . الرابع : يكره لبس الأحمر مطلقا لقصد الزينة والشهرة ، ويجوز في البيوت ووقت المهنة . الخامس : لا يجوز لبس ما كان صبغ بعد النسج وجنح إلى ذلك الخطابي ، واحتج بأن الحلل الواقعة في الأخبار الواردة في لبسه صلى الله عليه وسلم الحلة الحمراء لإحدى حللهن ، وكذا البرد الأحمر والبرود الحمر يصبغ غزلها ثم ينسج . السادس : اختصاص النهي بما يصبغ بالعصفر لورود النهي عنه ، ولا يمنع ما صبغ بغيره من أنواع الصبغ ، ويعكر عليه حديث المغرة المتقدم . السابع : تخصيص المنع بالذي يصبغ كله ، وأما ما فيه لون آخر غير الأحمر من بياض وسواد وغيرهما فلا ، وعلى ذلك يحمل الأحاديث الواردة في الحلة الحمراء ، فإن الحلل غالبا تكون ذوات خطوط حمر وغيرها ، قال ابن القيم : كان بعض العلماء يلبس ثوبا مصبغا بالحمرة ويزعم أنه يتبع السنة ، وهو غلط ; فإن الحلة الحمراء من برود اليمن لا يصبغ أحمر صرفا ، وقال الطبري بعد أن ذكر غالب هذه الأقوال : الذي أراه جواز لبس الثياب المصبغة بكل لون إلا أني لا أحب لبس ما كان مصبغا بالحمرة ولا لبس الأحمر مطلقا ، ظاهرا فوق الثياب ; لكون ذلك ليس من زي أهل المروءة في زماننا ، فإن مراعاة ذوي الزمان من المروءة ما لم يكن إثما . وفي مخالفة الزي ضرب من الشهرة ، قلت : إلا أن يكون موافقا للسنة فلا عبرة بالمروءة المبنية على البدعة . قال ميرك : وهذا يمكن أن يلخص منه قول ثامن . وقال العسقلاني : والتحقيق في هذا المقام أن النهي عن لبس الثوب الأحمر [ ص: 144 ] إن كان من أجل أنه من لباس الكفار ، فالقول فيه كالقول في الميثرة الحمراء ، وتحقيق القول فيها إن كانت من حرير غير حمراء فاستعمالها ممنوع لأجل أنها من الحرير واستعمال الحرير للرجل حرام لا سيما إن كانت مع ذلك حمراء ، وإن كانت غير حرير فالنهي فيها للزجر عن التشبه بالأعاجم ، وإن كان النهي عن لبس الثوب الأحمر من أجل أنه زي النساء فهو راجع إلى الزجر عن التشبه بالنساء ، فعلى الوجهين يكون النهي عنه لا لذاته ، وإن كان من أجل الشهرة أو خرم المروءة فيمتنع حيث يقع ذلك وإلا فلا فيقوى قول من قال بالتفرقة بين لبسه في المحافل وفي البيوت ، والله أعلم ، انتهى . وقال النووي : أباح المعصفر جمع من العلماء ومنهم من كرهه تنزيها ، وحمل النهي عليه ، لكن أشار البيهقي إلى أن مذهب الشافعي حرمته كالمزعفر وصح أنه صلى الله عليه وسلم أمر بحرق المعصفر ، وأما ما روى أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم كان يصبغ بالورس والزعفران ثيابه حتى عمامته ، فيعارضه ما في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن المزعفر ، وأما ما روى الدمياطي أنه صلى الله عليه وسلم كان يلبس برده الأحمر في العيدين والجمعة ، فمحمول على المخطط بخطوط حمر كما يدل عليه البرد ، والجمع بين الأدلة ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية