صفحة جزء
( حدثنا يوسف بن عيسى ، أخبرنا وكيع ، أخبرنا يونس بن أبي إسحاق ، واسمه ) : عمرو بن عبد الله بن السبيعي ، وفي نسخة ابن إسحاق ، وهي غير صحيحة . ( عن أبيه ) : أي أبي إسحاق . ( عن الشعبي ) : بفتح الشين وسكون العين ، واسمه عامر بن شراحيل . ( عن عروة بن المغيرة بن شعبة ، عن أبيه ) : أي المغيرة . ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس جبة ) : بضم الجيم وتشديد الموحدة ، قيل : هي ثوبان بينهما قطن إلا أن يكون من صوف فقد تكون واحدة غير محشوة ، وقد قيل : جبة البرد جنة البرد . ( رومية ) : قال ميرك : هكذا وقع في رواية الترمذي ، ولأبي داود جبة من صوف من جباب الروم ، لكن وقع في أكثر روايات الصحيحين وغيرهما جبة شامية ، قال العسقلاني : بتشديد الياء ، ويجوز تخفيفها ، انتهى . ولا منافاة بينهما ; لأن الشام حينئذ داخل تحت حكم قيصر ملك الروم فكأنهما واحد من حيث الملك ، ويمكن أن يكون نسبة هيئتها المعتاد لبسها إلى [ ص: 151 ] إحداهما ونسبة خياطتها إلى الأخرى . ( ضيقة الكمين ) : وهذا كان في سفر كما دل عليه رواية البخاري من طريق زكريا بن أبي زائدة ، عن الشعبي بهذا الإسناد قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فقال : " أمعك ماء ؟ " قلت : نعم ، فنزل عن راحلته فمشى حتى توارى عني في سواد الليل ، ثم جاء ، فأفرغت عليه الإداوة ، فغسل وجهه ويديه وعليه جبة شامية من صوف ، فلم يستطع أن يخرج ذراعيه منها حتى أخرجهما من أسفل الجبة . وله من طريق أخرى : فذهب يخرج يديه من كميه فكانا ضيقين ، فأخرج من تحت بدنه . بفتح الموحدة فالمهملة بعدها نون ، أي جبته ، كما في رواية أخرى البدن بفتحتين ، درع قصيرة ضيقة الكمين . زاد مسلم : وألقى الجبة على منكبيه ، فغسلهما ، ومسح برأسه وعلى خفيه . ووقع في رواية مالك وأحمد وأبي داود : كان في غزوة تبوك ، وفي الموطأ ومسند أبي داود أن ذلك كان عند صلاة الصبح . ولمسلم من طريق عباد بن زيادة ، عن عروة بن المغيرة ، عن أبيه قال : فأقبلت معه حتى وجد الناس قدموا عبد الرحمن بن عوف ; فصلى بهم ، فأدرك النبي صلى الله عليه وسلم الركعة الأخيرة ، فلما سلم عبد الرحمن قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يتم صلاته ، فأفزع ذلك الناس . وفي أخرى : قال المغيرة : فأردت تأخير عبد الرحمن فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " دعه " . كذا ذكره ميرك ، ثم قال : ومن فوائد الحديث الانتفاع بثياب الكفر حتى يتحقق نجاستها ; لأنه صلى الله عليه وسلم لبس الجبة الرومية ، ولم يتفصل ، واستدل به القرطبي على أن الصوف لا ينجس بالموت ; لأن الجبة كانت شامية وكانت الشام إذا ذاك دار كفر ، ومنها جواز لبس الصوف . وكره مالك لبسه لمن يجد غيره لما فيه من الشهرة بالزهد ; لأن إخفاء العمل أولى ، وقال ابن بطال : ولم ينحصر التواضع في لبسه بل في القطن وغيره مما هو بدون ثمنه ، والله أعلم . قيل فيه : ندب اتخاذ ضيق الكم في السفر لا في الحضر ; لأن أكمام الصحابة رضي الله عنهم كانت واسعة . قال ابن حجر : وإنما يتم ذلك إن ثبت أنه تحراها للسفر ، وإلا فيحتمل أنه لبسها للدفاء من البرد أو لغير ذلك ، وما نقل عن الصحابة من اتساع الأكمام مبني على توهم أن الأكمام جمع كم ، وليس كذلك بل جمع كمة ، وهي ما يجعل على الرأس كالقلنسوة ، فكأن قائل ذلك لم يسمع قول الأئمة : من البدع المذمومة اتساع الكمين ، انتهى . ويمكن حمل هذا على السعة المفرطة ، وما نقل عن الصحابة على خلاف ذلك وهو ظاهر بل متعين ، ولذا قال في النتف من كتب أئمتنا : يستحب اتساع الكم قدر شبر . . . [ ص: 152 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية