صفحة جزء
[ ص: 520 ] الفصل الرابع : أحكام البشر الجارية على يديه - صلى الله عليه وسلم -

وأما ما يعتقده في أمور أحكام البشر الجارية على يديه ، وقضاياهم ، ومعرفة المحق من المبطل ، وعلم المصلح من المفسد ، فبهذه السبيل ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : إنما أنا بشر ، وإنكم تختصمون إلي ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، فأقضي له على نحو مما أسمع ، فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذ منه شيئا ، فإنما أقطع له قطعة من النار .

حدثنا الفقيه أبو الوليد - رحمه الله - ، حدثنا الحسين بن محمد الحافظ ، حدثنا أبو عمر ، حدثنا أبو محمد ، حدثنا أبو بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا محمد بن كثير ، أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن زينب بنت أم سلمة ، قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . . . الحديث .

وفي رواية الزهري ، عن عروة : فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض ، فأحسب أنه صادق فأقضي له .

وتجري أحكامه - صلى الله عليه وسلم - على الظاهر ، وموجب غلبات الظن بشهادة الشاهد ، ويمين الحالف ، ومراعاة الأشبه ، ومعرفة العفاص ، والوكاء ، مع مقتضى حكمة الله في ذلك ، فإنه - تعالى - لو شاء لأطلعه على سرائر عباده ، ومخبآت ضمائر أمته ، فتولى الحكم بينهم بمجرد يقينه ، وعلمه دون حاجة إلى اعتراف أو بينة أو يمين أو شبهة ، ولكن لما أمر الله أمته باتباعه ، والاقتداء به في أفعاله وأحواله وقضاياه وسيره ، وكان هذا لو كان مما يختص بعلمه ، ويؤثره الله به ، لم يكن للأمة سبيل إلى الاقتداء به في شيء من ذلك ، ولا قامت حجة بقضية من قضاياه لأحد في شريعته ، لأنا لا نعلم ما أطلع عليه هو في تلك القضية بحكمه هو إذا في ذلك بالمكنون من إعلام الله له بما أطلعه عليه من سرائرهم ، وهذا ما لا تعلمه الأمة ، فأجرى الله - تعالى - أحكامه على ظواهرهم التي يستوي في ذلك هو وغيره من البشر ، ليتم اقتداء أمته به في تعيين قضاياه ، وتنزيل أحكامه ، ويأتون ما أتوا من ذلك على علم ، ويقين من سنته ، إذ البيان بالفعل أوقع منه بالقول ، وأدفع لاحتمال اللفظ ، وتأويل المتأول ، وكان حكمه على الظاهر أجلى في البيان وأوضح في وجوه الأحكام ، [ ص: 521 ] وأكثر فائدة لموجبات التشاجر والخصام ، وليقتدي بذلك كله حكام أمته ، ويستوثق بما يؤثر عنه ، وينضبط قانون شريعته ، وطي ذلك عنه من علم الغيب الذي استأثر به عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول ، فيعلمه منه بما شاء ، ويستأثر بما شاء ، ولا يقدح هذا في نبوته ، ولا يفصم عروة من عصمته .

التالي السابق


الخدمات العلمية