صفحة جزء
الفصل الثاني : صفاته الخلقية - صلى الله عليه وسلم -

إن قلت أكرمك الله : لا خفاء على القطع بالجملة أنه - صلى الله عليه وسلم - أعلى الناس قدرا ، وأعظمهم محلا ، وأكملهم محاسن وفضلا ، وقد ذهب في تفاصيل خصال الكمال مذهبا جميلا شوقني إلى أن أقف عليها من أوصافه - صلى الله عليه وسلم - تفصيلا . . .

فاعلم نور الله قلبي وقلبك ، وضاعف في هذا النبي الكريم حبي ، وحبك أنك إذا نظرت إلى خصال الكمال التي هي غير مكتسبة في جبلة الخلقة ، وجدته حائزا لجميعها ، محيطا بشتات محاسنها دون خلاف بين نقلة الأخبار لذلك ، بل قد بلغ بعضها مبلغ القطع .

أما الصورة ، وجمالها ، وتناسب أعضائه في حسنها ، فقد جاءت الآثار الصحيحة ، والمشهورة الكثيرة بذلك ، من حديث علي ، وأنس بن مالك ، وأبي هريرة ، والبراء بن عازب ، [ ص: 151 ] وعائشة أم المؤمنين ، وابن أبي هالة ، وأبي جحيفة ، وجابر بن سمرة ، وأم معبد ، وابن عباس ، ومعرض بن معيقيب ، وأبي الطفيل ، والعداء بن خالد ، وخريم بن فاتك ، وحكيم بن حزام ، وغيرهم رضي الله عنهم ، من أنه - صلى الله عليه وسلم - كان أزهر اللون ، أدعج ، أنجل ، أشكل ، أهدب الأشفار ، أبلج ، أزج ، أقنى ، أفلج ، مدور الوجه ، واسع الجبين ، كث اللحية تملأ صدره ، سواء البطن والصدر ، واسع الصدر ، عظيم المنكبين ، ضخم العظام ، عبل العضدين والذراعين والأسافل ، رحب الكفين والقدمين ، سائل الأطراف ، أنور المتجرد ، دقيق المسربة ، ربعة القد ، ليس بالطويل البائن ، ولا بالقصير المتردد ، مع ذلك فلم يكن يماشيه أحد ينسب إلى الطول إلا طاوله - صلى الله عليه وسلم - رجل الشعر ، إذا افتر ضاحكا افتر عن مثل سنا البرق ، وعن مثل حب الغمام ، إذا [ ص: 152 ] تكلم رئي كالنور يخرج من ثناياه ، أحسن الناس عنقا ، ليس بمطهم ، ولا مكلثم ، متماسك البدن ، ضرب اللحم .

قال البراء : ما رأيت من ذي لمة في حلة حمراء أحسن من رسول - صلى الله عليه وسلم - .

وقال أبو هريرة - رضي الله عنه - : [ ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، كأن الشمس تجري في وجهه ، وإذا ضحك يتلألأ في الجدر ] .

وقال جابر بن سمرة ، وقال له رجل : كان وجهه - صلى الله عليه وسلم - مثل السيف ؟ فقال : [ لا ، بل مثل الشمس ، والقمر ، وكان مستديرا ] .

وقالت أم معبد في بعض ما وصفته به : [ أجمل الناس من بعيد ، وأحلاه ، وأحسنه من قريب ]

وفي حديث ابن أبي هالة : [ يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر ] .

وقال علي - رضي الله عنه - في آخر وصفه له : [ من رآه بديهة هابه ، ومن خالطه معرفة أحبه ، يقول ناعته : لم أر قبله ، ولا بعده مثله - صلى الله عليه وسلم - ] .

والأحاديث في بسط صفته مشهورة كثيرة ، فلا نطول بسردها ، وقد اختصرنا في وصفه نكت ما جاء فيها ، وجملة مما فيه كفاية في القصد إلى المطلوب ، وختمنا هذه الفصول بحديث جامع لذلك نقف عليه هناك إن شاء الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية