الفصل الثاني : حكم إضافة ما لا يليق به تعالى  
وأما من  
أضاف إلى الله - تعالى - ما لا يليق به ليس على طريق السب ، ولا الردة  ، وقصد الكفر ، ولكن على طريق التأويل والاجتهاد والخطأ المفضي إلى الهوى والبدعة ، من تشبيه أو نعت بجارحة أو نفي صفة كمال ، فهذا مما اختلف السلف والخلف في تكفير قائله ، ومعتقده .  
واختلف قول  
مالك  وأصحابه في ذلك ، ولم يختلفوا في قتالهم إذا تحيزوا فئة ، وأنهم يستتابون ، فإن تابوا وإلا قتلوا ، وإنما اختلفوا في المنفرد منهم ، وأكثر قول  
مالك  ، وأصحابه ترك القول بتكفيرهم ، وترك قتلهم والمبالغة في عقوبتهم ، وإطالة سجنهم ، حتى يظهر إقلاعهم ، وتستبين توبتهم ، كما فعل  
عمر     - رضي الله عنه -  
بصبيغ     .  
وهذا قول  
 nindex.php?page=showalam&ids=12927محمد بن المواز  في الخوارج ،  
 nindex.php?page=showalam&ids=12873وعبد الملك بن الماجشون  ، وقول  
 nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون  في جميع أهل الأهواء ، وبه فسر قول  
مالك  في الموطأ ، وما رواه عن  
 nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز  ، وجده وعمه ، من قولهم في  
القدرية يستتابون  ، فإن تابوا وإلا قتلوا .  
وقال  
عيسى  عن  
ابن القاسم  في  
أهل الأهواء من الإباضية والقدرية  ، وشبههم ممن خالف الجماعة من أهل البدع والتحريف لتأويل كتاب الله : يستتابون أظهروا ذلك أو أسروه . فإن تابوا وإلا قتلوا ، وميراثهم لورثتهم .  
وقال مثله أيضا  
ابن القاسم  في كتاب  
محمد  في أهل القدر ، وغيرهم ، قال : واستتابتهم أن يقال لهم : اتركوا ما أنتم عليه .  
ومثله له في المبسوط في الإباضية ، والقدرية ، وسائر أهل البدع ، قال : وهم مسلمون ، وإنما قتلوا لرأيهم السوء ، وبهذا عمل  
 nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز     .  
قال  
ابن القاسم     : من  
قال : إن الله لم يكلم  موسى   تكليما  استتيب ، فإن تاب وإلا قتل .  
وابن   [ ص: 581 ] حبيب  ، وغيره من أصحابنا يرى تكفيرهم وتكفير أمثالهم من الخوارج والقدرية والمرجئة .  
وقد روي أيضا عن  
 nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون  مثله فيمن  
قال : ليس لله كلام  ، أنه كافر .  
واختلفت الروايات عن  
مالك  ، فأطلق في رواية الشاميين :  
 nindex.php?page=showalam&ids=12153أبي مسهر  ،  
 nindex.php?page=showalam&ids=17069ومروان بن محمد الطاطري  الكفر عليهم ، وقد شوور في  
زواج القدري  ، فقال : لا تزوجه ، قال الله - تعالى - :  
ولعبد مؤمن خير من مشرك     [ البقرة : 221 ] .  
وروي عنه أيضا : أهل الأهواء كلهم كفار وقال : من وصف شيئا من ذات الله - تعالى - ، وأشار إلى شيء من جسده : يد أو سمع أو بصر ، قطع ذلك منه ، لأنه شبه الله بنفسه . وقال  
فيمن قال : القرآن مخلوق     : كافر فاقتلوه .  
وقال أيضا في رواية  
ابن نافع  يجلد ، ويوجع ضربا ، ويحبس حتى يتوب .  
وفي رواية  
بشر بن بكر التنيسي  عنه : يقتل ، ولا تقبل توبته .  
قال القاضي  
أبو عبد الله البرنكاني  ، والقاضي  
أبو عبد الله التستري  من أئمة العراقيين : جوابه مختلف ، يقتل المستبصر الداعية .  
وعلى هذا الخلاف اختلف قوله في إعادة الصلاة خلفهم .  
وحكى  
ابن المنذر  ، عن  
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي     :  
لا يستتاب القدري     .  
وأكثر أقوال السلف تكفيرهم ، وممن قال به  
الليث   nindex.php?page=showalam&ids=16008وابن عيينة   nindex.php?page=showalam&ids=16457وابن لهيعة  ، وروي عنهم ذلك فيمن قال بخلق القرآن وقاله  
 nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك  والأودي   nindex.php?page=showalam&ids=17277ووكيع   nindex.php?page=showalam&ids=15730وحفص بن غياث   nindex.php?page=showalam&ids=11816وأبو إسحاق الفزاري  وهشيم   nindex.php?page=showalam&ids=16627وعلي بن عاصم  في آخرين ، وهو من قول أكثر المحدثين والفقهاء والمتكلمين فيهم ، وفي الخوارج والقدرية وأهل الأهواء المضلة وأصحاب البدع المتأولين ، وهو قول  
 nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل  ، وكذلك قالوا في الواقفة ، والشاكة في هذه الأصول .  
وممن روي عنه معنى      
[ ص: 582 ] القول الآخر بترك تكفيرهم  
 nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب   nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر   nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن البصري  ، وهو رأي جماعة من الفقهاء والنظار والمتكلمين ، واحتجوا بتوريث الصحابة والتابعين ، ورثة أهل حروراء ، ومن عرف بالقدر ممن مات منهم ، ودفنهم في مقابر المسلمين ، وجري أحكام الإسلام عليهم .  
قال  
إسماعيل  القاضي : وإنما قال  
مالك  في  
القدرية ، وسائر أهل البدع : يستتابون  ، فإن تابوا وإلا قتلوا ، لأنه من الفساد في الأرض ، كما قال في المحارب : إن رأى الإمام قتله ، وإن لم يقتل قتله ، وفساد المحارب إنما هو في الأموال ، ومصالح الدنيا ، وإن كان قد يدخل أيضا في أمر الدين من سبيل الحج والجهاد ، وفساد أهل البدع معظمه على الدين ، وقد يدخل في أمر الدنيا بما يلقون بين المسلمين من العداوة .