صفحة جزء
الفصل الثالث : نظافته - صلى الله عليه وسلم -

وأما نظافة جسمه ، وطيب ريحه وعرقه ، ونزاهته عن الأقذار ، وعورات الجسد فكان قد خصه الله تعالى في ذلك بخصائص لم توجد في غيره ، ثم تممها بنظافة الشرع ، وخصال الفطرة [ ص: 153 ] العشر ، وقال : بني الدين على النظافة

حدثنا سفيان بن العاصي ، وغير واحد ، قالوا : حدثنا أحمد بن عمر قال : حدثنا أبو العباس الرازي ، قال : حدثنا أبو أحمد الجلودي ، قال : حدثنا ابن سفيان قال : حدثنا مسلم ، قال : حدثنا قتيبة ، حدثنا جعفر بن سليمان عن ثابت ، عن أنس ، قال : [ ما شممت عنبرا قط ، ولا مسكا ، ولا شيئا أطيب من ريح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ] .

وعن جابر بن سمرة : أنه - صلى الله عليه وسلم - مسح خده ، قال : فوجدت ليده بردا ، وريحا ، كأنما أخرجها من جؤنة عطار . قال غيره : مسها بطيب أو لم يمسها ، يصافح المصافح فيظل يومه يجد ريحها ، ويضع يده على رأس الصبي فيعرف من بين الصبيان بريحها ، ونام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دار أنس فعرق ، فجاءت أمه بقارورة تجمع فيها عرقه فسألها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ، فقالت : نجعله في طيبنا ، وهو من أطيب الطيب .

وذكر البخاري في تاريخه الكبير ، عن جابر : [ لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يمر في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه سلكه من طيبه ] .

وذكر إسحاق بن راهويه أن تلك كانت رائحته بلا طيب ، - صلى الله عليه وسلم - .

[ ص: 154 ] [ وروى المزني : عن جابر : أردفني النبي - صلى الله عليه وسلم - خلفه ، فالتقمت خاتم النبوة بفمي ، فكان ينم علي مسكا ] ، وقد حكى بعض المعتنين بأخباره ، وشمائله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا أراد أن يتغوط انشقت الأرض فابتلعت غائطه ، وبوله ، وفاحت لذلك رائحة طيبة - صلى الله عليه وسلم - .

[ وأسند محمد بن سعد كاتب الواقدي في هذا خبرا عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إنك تأتي الخلاء فلا نرى منك شيئا من الأذى ! فقال : يا عائشة ، أوما علمت أن الأرض تبتلع ما يخرج من الأنبياء ، فلا يرى منه شيء ] ، وهذا الخبر ، وإن لم يكن مشهورا فقد قال قوم من أهل العلم بطهارة الحدثين منه - صلى الله عليه وسلم - ، وهو قول بعض أصحاب الشافعي

[ حكاه الإمام أبو نصر ابن الصباغ في شامله ] ، وقد حكى القولين عن العلماء في ذلك أبو بكر بن سابق المالكي في كتابه البديع في فروع المالكية ، وتخريج ما لم يقع لهم منها على مذهبهم من تفاريع الشافعية ، وشاهد هذا أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن منه شيء يكره ، ولا غير طيب .

ومنه حديث علي - رضي الله عنه - : [ غسلت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فذهبت أنظر ما يكون من الميت فلم أجد شيئا ، فقلت : طبت حيا ، وميتا ، قال : وسطعت منه ريح طيبة لم نجد مثلها قط ] .

ومثله قال أبو بكر - رضي الله عنه - حين قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد موته .

ومنه شرب مالك بن سنان دمه يوم أحد ، ومصه إياه ، وتسويغه - صلى الله عليه وسلم - ذلك له ، وقوله له : [ ص: 155 ] لن تصيبه النار ومثله شرب عبد الله بن الزبير دم حجامته ، فقال - عليه السلام - : ويل لك من الناس ، وويل لهم منك ولم ينكر عليه ، وقد روي نحو من هذا عنه في امرأة شربت بوله ، فقال لها : لن تشتكي وجع بطنك أبدا ، ولم يأمر ، واحدا منهم بغسل فم ، ولا نهاه عن عودة ، وحديث هذه المرأة التي شربت بوله صحيح ألزم الدارقطني مسلما ، والبخاري إخراجه في الصحيح ، واسم هذه المرأة بركة ، واختلف في نسبها ، وقيل : هي أم أيمن وكانت تخدم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قالت : وكان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدح من عيدان يوضع تحت سريره يبول فيه من الليل ، فبال فيه ليلة ، ثم افتقده ، فلم يجد فيه شيئا . فسأل بركة عنه ، فقالت : قمت وأنا عطشانة فشربته ، وأنا لا أعلم . روى حديثها ابن جريج ، وغيره ، وكان - صلى الله عليه وسلم - قد ولد مختونا مقطوع السرة .

[ وروي عن أمه آمنة أنها قالت : قد ولدته نظيفا ما به قذر ] .

[ ص: 156 ] وعن عائشة - رضي الله عنها - : [ ما رأيت فرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قط ] ، وعن علي - رضي الله عنه - : أوصاني النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يغسله غيري ، فإنه لا يرى أحد عورتي إلا طمست عيناه ، وفي حديث عكرمة ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - : [ أنه نام حتى سمع له غطيط ، فقام فصلى ، ولم يتوضأ ] ، قال عكرمة : لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان محفوظا .

التالي السابق


الخدمات العلمية