صفحة جزء
الفصل الثالث والعشرون : الخوف ، والطاعة من الله

وأما خوفه من ربه ، وطاعته له ، وشدة عبادته ، فعلى قدر علمه بربه ، [ ولذلك قال فيما حدثنا أبو محمد بن عتاب قراءة مني عليه . قال : حدثنا أبو القاسم الطرابلسي ، حدثنا أبو الحسن القابسي ، حدثنا أبو زيد المروزي ، حدثنا أبو عبد الله الفربري ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا يحيى بن بكير ، عن الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة - رضي الله عنه - كان يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ، ولبكيتم كثيرا .

زاد في روايتنا ، عن أبي عيسى الترمذي رفعه إلى أبي ذر - رضي الله عنه - : إني أرى ما لا ترون ، وأسمع ما لا تسمعون ، أطت السماء ، وحق لها أن تئط ، ما فيها موضع أربعة أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله ، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ، ولبكيتم كثيرا ، وما تلذذتم بالنساء على الفرش ، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله لوددت أني شجرة تعضد . روي هذا [ ص: 202 ] الكلام " وددت أني شجرة تعضد " من قول أبي ذر نفسه ، وهو أصح .

وفي حديث المغيرة : صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى انتفخت قدماه . وفي رواية : كان يصلي حتى ترم قدماه ، فقيل له : أتكلف هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك ، وما تأخر . قال : أفلا أكون عبدا شكورا ؟ .

ونحوه عن أبي سلمة ، وأبي هريرة . وقالت عائشة رضي الله عنها : كان عمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ديمة ، وأيكم يطيق ما كان يطيق ! .

وقالت : كان يصوم حتى نقول : لا يفطر . ويفطر حتى نقول : لا يصوم .

ونحوه عن ابن عباس ، [ ص: 203 ] وأم سلمة ، وأنس . وقال : كنت لا تشاء أن تراه من الليل مصليا إلا رأيته مصليا ، ولا نائما إلا رأيته نائما .

وقال عوف بن مالك : كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة فاستاك ثم توضأ ، ثم قام يصلي ، فقمت معه ، فبدأ فاستفتح البقرة ، فلا يمر بآية رحمة إلا وقف فسأل ، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف فتعوذ ، ثم ركع ، فمكث بقدر قيامه ، يقول : سبحان ذي الجبروت ، والملكوت ، والعظمة ، ثم سجد وقال مثل ذلك ، ثم قرأ آل عمران ثم سورة سورة ، يفعل مثل ذلك .

وعن حذيفة مثله ، وقال : سجد نحوا من قيامه ، وجلس بين السجدتين نحوا منه ، وقال : حتى قرأ البقرة ، وآل عمران والنساء ، والمائدة .

وعن عائشة قالت : قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بآية من القرآن ليلة .

وعن عبد الله بن الشخير : أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو يصلي ، ولجوفه أزيز كأزيز المرجل .

قال ابن أبي هالة : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متواصل الأحزان دائم الفكرة ، ليست له راحة .

[ ص: 204 ] وقال - صلى الله عليه وسلم - : إني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة وروي سبعين مرة .

وعن علي - رضي الله عنه - ، قال : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن سنته ، فقال : المعرفة رأسمالي ، والعقل أصل ديني ، والحب أساسي ، والشوق مركبي ، وذكر الله أنيسي ، والثقة كنزي ، والحزن رفيقي ، والعلم سلاحي ، والصبر ردائي ، والرضا غنيمتي ، والعجز فخري ، والزهد حرفتي ، واليقين قوتي ، والصدق شفيعي ، والطاعة حسبي ، والجهاد خلقي ، وقرة عيني في الصلاة .

وفي حديث آخر : وثمرة فؤادي في ذكره ، وغمي لأجل أمتي ، وشوقي إلى ربي - عز وجل - .

التالي السابق


الخدمات العلمية