صفحة جزء
الفصل الخامس عشر : استدراك في صفات الخالق ، والمخلوق

قال القاضي أبو الفضل : - وفقه الله تعالى - ، وها أنا أذكر نكتة أذيل بها هذا الفصل ، وأختم بها هذا القسم ، وأزيح الإشكال بها فيما تقدم عن كل ضعيف الوهم ، سقيم الفهم ، تخلصه من مهاوي التشبيه ، وتزحزحه عن شبه التمويه ، وهو أن يعتقد أن الله - تعالى - جل اسمه في عظمته ، وكبريائه ، وملكوته ، وحسنى أسمائه ، وعلي صفاته ، لا يشبه شيئا من مخلوقاته ، ولا يشبه به ، وأن ما جاء مما أطلقه الشرع على الخالق ، وعلى المخلوق ، فلا تشابه بينهما في المعنى الحقيقي ، إذ صفات القديم بخلاف صفات المخلوق ، فكما أن ذاته لا تشبه الذوات كذلك صفاته لا تشبه صفات المخلوقين ، إذ صفاتهم لا تنفك عن الأعراض ، والأغراض ، وهو - تعالى - منزه عن ذلك ، بل لم يزل بصفاته ، وأسمائه ، وكفى في هذا قوله : ليس كمثله شيء [ الشورى : 11 ] .

ولله در من قال من العلماء العارفين المحققين : التوحيد إثبات ذات غير مشبهة للذوات ، ولا معطلة عن الصفات .

وزاد هذه النكتة الواسطي - رحمه الله - بيانا ، وهي مقصودنا ، فقال : ليس كذاته ذات ، ولا كاسمه اسم ، ولا كفعله فعل ، ولا كصفته صفة ، إلا من جهة موافقة اللفظ اللفظ ، وجلت الذات [ ص: 269 ] القديمة أن تكون لها صفة حديثة ، كما استحال أن تكون للذات المحدثة صفة قديمة .

وهذا كله مذهب أهل الحق ، والسنة ، والجماعة - رضي الله عنهم - .

وقد فسر الإمام أبو القاسم القشيري - رحمه الله - قوله هذا ، ليزيده بيانا ، فقال : هذه الحكاية تشتمل على جوامع مسائل التوحيد ، وكيف تشبه ذاته ذات المحدثات ، وهي بوجودها مستغنية ، وكيف يشبه فعله فعل الخلق ، وهو لغير جلب أنس ، أو دفع نقص حصل ، ولا بخواطر وأغراض وجد ، ولا بمباشرة ومعالجة ظهر ، وفعل الخلق لا يخرج عن هذه الوجوه .

وقال آخر من مشايخنا : ما توهمتموه بأوهامكم ، أو أدركتموه بعقولكم فهو محدث مثلكم .

وقال الإمام أبو المعالي الجويني : من اطمأن إلى موجود انتهى إليه فكره فهو مشبه ، ومن اطمأن إلى النفي المحض فهو معطل ، وإن قطع بموجود اعترف بالعجز عن درك حقيقته فهو موحد .

وما أحسن قول ذي النون المصري : حقيقة التوحيد أن تعلم أن قدرة الله - تعالى - في الأشياء بلا علاج ، وصنعه لها بلا مزاج ، وعلة كل شيء صنعه ، ولا علة لصنعه ، وما تصور في وهمك فالله بخلافه .

وهذا كلام عجيب نفيس محقق .

والفصل الآخر ، تفسير لقوله : ليس كمثله شيء [ الشورى : 11 ] .

والثاني تفسير لقوله : لا يسأل عما يفعل وهم يسألون [ الأنبياء : 23 ] ، والثالث ، تفسير لقوله : إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون [ النحل : 40 ] .

ثبتنا الله وإياك على التوحيد ، والإثبات ، والتنزيه ، وجنبنا طرفي الضلالة ، والغواية من التعطيل ، والتشبيه بمنه ، ورحمته .

التالي السابق


الخدمات العلمية