صفحة جزء
الفصل العشرون : في إحياء الموتى ، وكلامهم ، " و كلام الصبيان ، والمراضع ، وشهادتهم له بالنبوة - صلى الله عليه وسلم - "

[ حدثنا أبو الوليد هشام بن أحمد الفقيه بقراءتي عليه ، والقاضي أبو الوليد محمد بن رشد ، والقاضي أبو عبد الله محمد بن عيسى التميمي ، وغير واحد سماعا ، وإذنا ، قالوا : حدثنا أبو علي [ ص: 315 ] الحافظ ، حدثنا أبو عمر الحافظ ، حدثنا أبو زيد عبد الرحمن بن يحيى ، حدثنا أحمد بن سعيد ، حدثنا ابن الأعرابي ، حدثنا أبو داود ، حدثنا وهب بن بقية ، عن خالد هو الطحان ، عن محمد بن عمرو ، وعن أبي سلمة ] ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن يهودية أهدت للنبي - صلى الله عليه وسلم - بخيبر شاة مصلية سمتها ، فأكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها ، وأكل القوم ، فقال : ارفعوا أيديكم ، فإنما أخبرتني أنها مسمومة . فمات بشر بن البراء . وقال لليهودية : ما حملك على ما صنعت ؟ قالت : إن كنت نبيا لم يضرك الذي صنعت ، وإن كنت ملكا أرحت الناس منك . قال : فأمر بها فقتلت .

وقد روى هذا الحديث أنس وفيه : قالت : أردت قتلك . فقال : ما كان الله ليسلطك على ذلك . فقالوا : نقتلها ؟ قال : لا

وكذلك روي عن أبي هريرة من رواية غير وهب ، قال : فما عرض لها .

ورواه أيضا جابر بن عبد الله ، وفيه : أخبرتني هذه الذراع قال : ولم يعاقبها .

وفي رواية الحسن : أن فخذها تكلمني أنها مسمومة .

وفي رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن قالت : إني مسمومة .

وكذلك ذكر الخبر ابن إسحاق ، وقال فيه : فتجاوز عنها .

وفي الحديث الآخر ، عن أنس ، قال : فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وفي حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في وجعه الذي مات فيه : ما زالت أكلة خيبر تعادني ، فالآن أوان قطعت أبهري .

وحكى ابن إسحاق : إن كان المسلمون ليرون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مات شهيدا مع ما أكرمه الله به من النبوة .

وقال ابن سحنون : أجمع أهل الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتل [ ص: 316 ] اليهودية التي سمته .

وقد ذكرنا اختلاف الروايات في ذلك عن أبي هريرة ، وأنس ، وجابر .

وفي رواية ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه دفعها لأولياء بشر بن البراء فقتلوها .

وكذلك قد اختلف في قتله للذي سحره ، قال الواقدي : وعفوه عنه أثبت عندنا .

وقد روي عنه أنه قتله وروى الحديث البزار ، عن أبي سعيد ، فذكر مثله ، إلا أنه قال في آخره : فبسط يده ، وقال : كلوا بسم الله ، فأكلنا ، وذكر اسم الله ، فلم تضر منا أحدا .

قال القاضي أبو الفضل : وقد خرج حديث الشاة المسمومة أهل الصحيح ، وخرجه الأئمة ، وهو حديث مشهور .

واختلف أئمة النظر في هذا الباب ، فمن قائل يقول : هو كلام يخلقه الله - تعالى - في الشاة الميتة ، أو الحجر ، أو الشجر ، وحروف ، وأصوات يحدثها الله فيها ويسمعها منها دون تغيير أشكالها ، ونقلها عن هيئتها . وهو مذهب الشيخ أبي الحسن ، والقاضي أبي بكر رحمهما الله .

وآخرون ذهبوا إلى إيجاد الحياة بها أولا ، ثم الكلام بعده .

وحكي هذا أيضا عن شيخنا أبي الحسن ، وكل محتمل ، والله أعلم ، إذ لم نجعل الحياة شرطا لوجود الحروف ، والأصوات ، إذ لا يستحيل وجودها مع عدم الحياة بمجردها .

فأما إذا كانت عبارة عن الكلام النفسي فلا بد من شرط الحياة لها ، إذ لا يوجد كلام النفس إلا من حي ، خلافا للجبائي من بين سائر متكلمي الفرق في إحالة وجود الكلام اللفظي ، والحروف ، والأصوات إلا من حي مركب على تركيب من يصح منه النطق بالحروف ، والأصوات .

والتزم ذلك في الحصى ، والجذع ، والذراع ، وقال : إن الله خلق فيها حياة ، وخرق لها فما ، ولسانا ، وآلة أمكنها بها من الكلام .

وهذا لو كان لكان نقله ، والتهمم به آكد من التهمم بنقل تسبيحه ، أو حنينه ، ولم ينقل أحد من أهل السير ، والرواية شيئا من ذلك ، فدل على سقوط دعواه ، مع أنه لا [ ص: 317 ] ضرورة إليه في النظر ، والموفق الله .

وروى وكيع رفعه عن فهد بن عطية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتي بصبي قد شب لم يتكلم قط ، فقال : من أنا ؟ فقال : رسول الله .

وروي عن معرض بن معيقيب : رأيت من النبي - صلى الله عليه وسلم - عجبا ، جيء بصبي يوم ولد . . . فذكر مثله .

وهو حديث مبارك اليمامة ، ويعرف بحديث شاصونة : اسم راويه ، وفيه : فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : صدقت بارك الله فيك .

ثم إن الغلام لم يتكلم بعدها حتى شب ، فكان يسمى مبارك اليمامة .

وكانت هذه القصة بمكة في حجة الوداع .

وعن الحسن : أتى رجل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فذكر أنه طرح بنية له في وادي كذا ، فانطلق معه إلى الوادي ، وناداها باسمها : يا فلانة ، أجيبي بإذن الله فخرجت ، وهي تقول : لبيك ، وسعديك ! فقال لها : إن أبويك قد أسلما ، فإن أحببت أن أردك عليهما ؟ قالت : لا حاجة لي فيهما ، وجدت الله خيرا منهما .

وعن أنس أن شابا من الأنصار توفي وله أم عجوز عمياء ، فسجيناه ، وعزيناها ، فقالت : مات ابني ؟ قلنا : نعم . قالت : اللهم إن كنت تعلم أني هاجرت إليك ، وإلى نبيك رجاء أن تعينني على كل شدة فلا تحملن علي هذه المصيبة .

فما برحنا أن كشف الثوب عن وجهه ، فطعم ، وطعمنا .

وروي عن عبد الله بن عبيد الله الأنصاري : كنت فيمن دفن ثابت بن قيس بن شماس ، وكان قتل باليمامة ، فسمعناه حين أدخلناه القبر يقول : محمد رسول الله ، أبو بكر الصديق ، عمر الشهيد ، عثمان البر الرحيم ، فنظرنا فإذا هو ميت .

وذكر عن النعمان بن بشير أن زيد بن خارجة خر ميتا في بعض أزقة المدينة ، فرفع ، وسجي إذ [ ص: 318 ] سمعوه بين العشاءين ، والنساء يصرخن حوله يقول : أنصتوا ، أنصتوا ، فحسر عن وجهه ، فقال : محمد رسول الله ، النبي الأمي ، وخاتم النبيين ، كان ذلك في الكتاب الأول ، ثم قال صدق ، صدق ، وذكر أبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، ثم قال : السلام عليك يا رسول الله ، ورحمة الله وبركاته ، ثم عاد ميتا كما كان .

التالي السابق


الخدمات العلمية