صفحة جزء
[ ص: 321 ] الفصل الثاني والعشرون : في إجابة دعائه - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا باب واسع جدا

وإجابة دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - لجماعة بما دعا لهم ، وعليهم متواتر على الجملة ، معلوم ضرورة .

وقد جاء في حديث حذيفة - رضي الله عنه - : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دعا لرجل أدركت الدعوة ولده ، وولد ولده .

[ حدثنا أبو محمد العتابي بقراءتي عليه ، حدثنا أبو القاسم حاتم بن محمد ، حدثنا أبو الحسن القابسي ، حدثنا أبو زيد المروزي ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عبد الله بن أبي الأسود ، حدثنا حرمي ، حدثنا شعبة ، عن قتادة ] ، عن أنس - رضي الله عنه - ، قال : قالت أمي : يا رسول الله ، خادمك أنس ، ادع الله له . قال : اللهم أكثر ماله ، وولده ، وبارك له فيما آتيته .

ومن رواية عكرمة : قال أنس : فوالله إن مالي لكثير ، وإن ولدي ، وولد ولدي ليعادون اليوم على نحو المائة .

وفي رواية : وما أعلم أحدا أصاب من رخاء العيش ما أصبت ، ولقد دفنت بيدي هاتين مائة من ولدي ، لا أقول سقطا ، ولا ولد ولد .

ومنه دعاؤه لعبد الرحمن بن عوف بالبركة ، قال عبد الرحمن : فلو رفعت حجرا لرجوت أن أصيب تحته ذهبا ، وفتح الله عليه ، ومات فحفر الذهب من تركته بالفئوس حتى مجلت فيه الأيدي ، وأخذت كل زوجة ثمانين ألفا ، وكن أربعا ، وقيل مائة ألف ، وقيل : بل صولحت إحداهن ، لأنه طلقها في مرضه على نيف وثمانين ألفا ، وأوصى بخمسين ألفا بعد صدقاته الفاشية في حياته ، [ ص: 322 ] وعوارفه العظيمة : أعتق يوما ثلاثين عبدا ، وتصدق مرة بعير فيها سبعمائة بعير ، وردت عليه تحمل من كل شيء ، فتصدق بها ، وبما عليها ، وبأقتابها ، وأحلاسها .

ودعا لمعاوية بالتمكين في البلاد ، فنال الخلافة . ولسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - أن يجيب الله دعوته ، فما دعا على أحد إلا استجيب له .

ودعا بعز الإسلام بعمر - رضي الله عنه - ، أو بأبي جهل ، فاستجيب له في عمر .

قال ابن مسعود - رضي الله عنه - : ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر .

وأصاب الناس في بعض مغازيه عطش ، فسأله عمر الدعاء ، فدعا ، فجاءت سحابة ، فسقتهم حاجتهم ، ثم أقلعت .

ودعا في الاستسقاء ، فسقوا ، ثم شكوا إليه المطر ، فدعا ، فضحوا .

وقال لأبي قتادة : أفلح وجهك ، اللهم بارك له في شعره ، وبشره ، فمات ، وهو ابن سبعين سنة ، وكأنه ابن خمس عشرة سنة .

وقال للنابغة : لا يفضض الله فاك فما سقطت له سن .

وفي رواية : فكان أحسن الناس ثغرا ، إذا سقطت له سن نبتت له أخرى ، وعاش عشرين ومائة سنة ، وقيل : أكثر من هذا .

ودعا لابن عباس : اللهم فقهه في الدين ، وعلمه التأويل فسمي بعد الحبر ، وترجمان القرآن .

ودعا لعبد الله بن جعفر بالبركة في صفقة يمينه ، فما [ ص: 323 ] اشترى شيئا إلا ربح فيه . ودعا للمقداد بالبركة ، فكانت عنده غرائر المال .

ودعا بمثله لعروة بن أبي الجعد ، فقال : فلقد كنت أقوم بالكناسة ، فما أرجع حتى أربح أربعين ألفا .

وقال البخاري في حديث : فكان لو اشترى التراب ربح فيه .

وروي مثل هذا لغرقدة أيضا .

وندت له ناقة ، فدعا فجاءه بها إعصار ريح ، حتى ردها عليه .

ودعا لأم أبي هريرة فأسلمت .

ودعا لعلي أن يكفى الحر ، والقر ، فكان يلبس في الشتاء ثياب الصيف ، وفي الصيف ثياب الشتاء ، ولا يصيبه حر ، ولا برد .

ودعا لفاطمة ابنته الله ألا يجيعها ، قالت : فما جعت بعد .

وسأله الطفيل بن عمرو آية لقومه ، فقال : اللهم نور له فسطع نور بين عينيه ، فقال : أخاف أن يقولوا مثلة ، فتحول إلى طرف سوطه ، فكان يضيء في الليلة المظلمة ، فسمي النور .

ودعا على مضر فأقحطوا ، حتى استعطفته قريش ، فدعا لهم فسقوا .

ودعا على كسرى حين مزق كتابه أن يمزق الله ملكه ، فلم تبق له باقية ، ولا بقيت لفارس رياسة في أقطار الدنيا .

ودعا على صبي قطع عليه الصلاة أن يقطع الله أثره ، فأقعد .

وقال لرجل يأكل بشماله : كل بيمينك فقال : لا أستطيع . فقال : ولا استطعت فلم يرفعها إلى فيه .

وقال لعتبة بن أبي لهب : [ ص: 324 ] اللهم سلط عليه كلبا من كلابك ، فأكله الأسد .

وقال لامرأة : أكلك الأسد فأكلها .

وحديثه المشهور ، من رواية عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ، في دعائه على قريش حين وضعوا السلا على رقبته ، وهو ساجد مع الفرث ، والدم ، وسماهم . وقال : فلقد رأيتهم قتلوا يوم بدر .

ودعا على الحكم بن أبي العاص ، وكان يختلج بوجهه ، ويغمز عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أي لا ، فرآه ، فقال : كذلك كن ، فلم يزل يختلج إلى أن مات .

ودعا على محلم بن جثامة فمات لسبع ، فلفظته الأرض ، ثم وري فلفظته مرات ، فألقوه بين صدين ، ورضموا عليه بالحجارة .

والصد : جانب الوادي .

وجحده رجل ببيع فرس ، وهي التي شهد فيها خزيمة للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، فرد الفرس بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - على الرجل ، وقال : اللهم إن كان كاذبا فلا تبارك له فيها . فأصبحت شاصية برجلها ، أي رافعة .

وهذا الباب أكثر من أن يحاط به .

التالي السابق


الخدمات العلمية