صفحة جزء
الفصل الرابع والعشرون : ومن ذلك ما أطلع عليه من الغيوب ، وما يكون

والأحاديث في هذا الباب بحر لا يدرك قعره ، ولا ينزف غمره .

وهذه المعجزة من جملة معجزاته المعلومة على القطع الواصل إلينا خبرها على التواتر لكثرة رواتها ، واتفاق معانيها على الاطلاع على الغيب :

[ حدثنا الإمام أبو بكر محمد بن الوليد الفهري إجازة ، وقرأته على غيره : قال أبو بكر : حدثنا أبو علي التستري ، حدثنا أبو عمر الهاشمي ، حدثنا اللؤلئي ، حدثنا أبو داود ، حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ] ، عن حذيفة ، قال : قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقاما ، فما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدثه ، حفظه من حفظه ، ونسيه من نسيه ، قد علمه أصحابي هؤلاء ، وإنه ليكون منه الشيء فأعرفه فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ، ثم إذا رآه عرفه .

ثم قال حذيفة : ما أدري ، أنسي أصحابي أم تناسوه ، ، والله ما ترك رسول [ ص: 330 ] الله - صلى الله عليه وسلم - من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدنيا يبلغ من معه ثلاثمائة فصاعدا إلا قد سماه لنا باسمه ، واسم أبيه ، وقبيلته .

وقال أبو ذر : لقد تركنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وما يحرك طائر جناحيه في السماء ، إلا ذكرنا منه علما .

وقد خرج أهل الصحيح ، والأئمة ما أعلم به أصحابه - صلى الله عليه وسلم - مما وعدهم به من الظهور على أعدائه ، وفتح مكة ، وبيت المقدس ، واليمن ، والشام ، والعراق .

وظهور الأمن حتى تظعن المرأة من الحيرة إلى مكة ، لا تخاف إلا الله .

وإن المدينة ستغزى ، وتفتح خيبر على يدي علي في غد يومه .

وما يفتح الله على أمته من الدنيا . ويؤتون من زهرتها .

وقسمتهم كنوز كسرى ، وقيصر .

وما يحدث بينهم من الفتون ، والاختلاف ، والأهواء .

وسلوك سبيل من قبلهم ، وافتراقهم على ثلاث وسبعين فرقة ، الناجية منها واحدة .

وأنها ستكون لهم أنماط ، ويغدو أحدهم في حلة ، ويروح في أخرى ، وتوضع بين يديه صحفة ، وترفع أخرى ، ويسترون بيوتهم كما تستر الكعبة .

ثم قال آخر الحديث : وأنتم اليوم خير منكم يومئذ ، وإنهم إذا مشوا المطيطاء ، وخدمتهم بنات فارس ، والروم رد الله بأسهم بينهم ، وسلط شرارهم على خيارهم .

وقتالهم الفرس ، والخزر ، والروم ، وذهاب كسرى ، وفارس حتى لا كسرى ، ولا فارس بعده ، وذهاب قيصر حتى لا قيصر بعده .

وذكر أن الروم ذات قرون إلى آخر الدهر .

وبذهاب الأمثل فالأمثل من الناس ، وتقارب الزمان ، وقبض العلم ، وظهور الفتن ، والهرج .

وقال : ويل للعرب من شر قد اقترب .

وأنه زويت له الأرض فأري مشارقها ، ومغاربها ، وسيبلغ ملك أمته ما زوي له منها . وكذلك كان امتدت في المشارق ، والمغارب ما بين أرض الهند أقصى المشرق إلى بحر طنجة حيث لا عمارة وراءه ، وذلك ما لم تملكه أمة من الأمم ، ولم تمتد في الجنوب ، ولا في الشمال مثل ذلك .

وقوله : لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة ذهب ابن المديني إلى أنهم العرب ، لأنهم المختصون بالسقي بالغرب ، وهي الدلو . وغيره يذهب إلى [ ص: 331 ] أنهم أهل المغرب ، وقد ورد المغرب كذا في الحديث بمعناه .

وفي حديث آخر ، من رواية أبي أمامة : لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ، قاهرين لعدوهم ، حتى يأتيهم أمر الله ، وهم كذلك .

قيل : يا رسول الله ، وأين هم ، قال : ببيت المقدس
.

وأخبر بملك بني أمية ، وولاية معاوية ، ووصاه ، واتخاذ بني أمية مال الله دولا ، وخروج ولد العباس بالرايات السود ، وملكهم أضعاف ما ملكوا ، وخروج المهدي ، وما ينال أهل بيته ، وتقتيلهم ، وتشريدهم ، وقتل علي ، وأن أشقاها الذي يخضب هذه من هذه ، أي لحيته من رأسه ، وأنه قسيم النار ، يدخل أولياؤه الجنة وأعداؤه النار ، فكان فيمن عاداه الخوارج ، والناصبة ، وطائفة ممن ينسب إليه من الروافض كفروه .

وقال : يقتل عثمان وهو يقرأ في المصحف وأن الله عسى أن يلبسه قميصا ، وأنهم يريدون خلعه ، وأنه سيقطر دمه على قوله تعالى : شقاق فسيكفيكهم [ البقرة : 137 ] .

وأن الفتن لا تظهر ما دام عمر حيا .

وبمحاربة الزبير لعلي ، وبنباح كلاب الحوأب على بعض أزواجه ، وأنه يقتل حولها قتلى كثير ، وتنجو بعد ما كادت ، فنبحت على عائشة عند خروجها إلى البصرة . وأن عمارا تقتله الفئة الباغية ، فقتله أصحاب معاوية .

[ ص: 332 ] وقال لعبد الله بن الزبير : ويل للناس منك ، وويل لك من الناس .

وقال في قزمان ، وقد أبلى مع المسلمين : إنه من أهل النار فقتل نفسه .

وقال في جماعة فيهم أبو هريرة ، وسمرة بن جندب ، وحذيفة : آخركم موتا في النار فكان بعضهم يسأل عن بعض ، فكان سمرة آخرهم موتا ، هرم ، وخرف ، فاصطلى بالنار فاحترق فيها .

وقال في حنظلة الغسيل : سلوا زوجته عنه ، فإني رأيت الملائكة تغسله فسألوها ، فقالت : إنه خرج جنبا ، وأعجله الحال عن الغسل .

قال أبو سعيد - رضي الله عنه - : ووجدنا رأسه يقطر ماء .

وقال : الخلافة في قريش ، ولن يزال هذا الأمر في قريش ما أقاموا الدين .

وقال : يكون في ثقيف كذاب ، ومبير فرأوهما : الحجاج ، والمختار .

وأن مسيلمة يعقره الله . وأن فاطمة أول أهله لحوقا به .

وأنذر بالردة ، [ ص: 333 ] وبأن الخلافة بعده ثلاثون سنة ، ثم تكون ملكا ، فكانت ذلك بمدة الحسن بن علي .

وقال : إن هذا الأمر بدأ نبوة ، ورحمة ، ثم يكون رحمة ، وخلافة ، ثم يكون ملكا عضوضا ، ثم يكون عتوا ، وجبروتا ، وفسادا في الأمة .

وأخبر بشأن أويس القرني ، وبأمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها ، وسيكون في أمته ثلاثون كذابا فيهم أربع نسوة .

وفي حديث آخر : ثلاثون دجالا كذابا ، آخرهم الدجال الكذاب ، كلهم يكذب على الله ، ورسوله .

وقال : يوشك أن يكثر فيكم العجم ، يأكلون فيئكم ، ويضربون رقابكم . ولا تقوم الساعة حتى يسوق الناس بعصاه رجل من قحطان .

وقال : خيركم قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم . ثم يأتي بعد ذلك قوم يشهدون ، ولا يستشهدون ، ويخونون ، ولا يؤتمنون ، وينذرون ، ولا يوفون ، ويظهر فيهم السمن .

وقال : لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه .

وقال : هلاك أمتي على يدي أغيلمة من قريش .

قال أبو هريرة راويه : لو شئت سميتهم لكم : بنو فلان وبنو فلان .

وأخبر بظهور القدرية ، والرافضة .

وسب آخر هذه الأمة أولها .

وقلة الأنصار حتى يكونوا كالملح في الطعام ، فلم يزل أمرهم يتبدد حتى لم يبق لهم جماعة .

وأنهم سيلقون بعده أثرة .

وأخبر بشأن الخوارج ، وصفتهم ، والمخدج الذي فيهم ، وأن سيماهم التحليق .

ويرى رعاء الغنم رءوس الناس ، والعراة الحفاة يتبارون في البنيان .

وأن تلد الأمة ربتها .

وأن قريشا ، والأحزاب لا يغزونه أبدا ، وأنه هو يغزوهم .

وأخبر بالموتان الذي يكون بعد فتح بيت المقدس .

وما وعد من سكنى البصرة ، وأنهم يغزون في البحر كالملوك على الأسرة . .

وأن الدين لو كان منوطا بالثريا لناله رجال من أبناء فارس .

وهاجت ريح في غزاة ، فقال : هاجت لموت منافق فلما رجعوا إلى المدينة ، وجدوا ذلك . وقال لقوم [ ص: 334 ] من جلسائه : ضرس أحدكم في النار أعظم من أحد .

قال أبو هريرة : فذهب القوم يعني ماتوا ، وبقيت أنا ، ورجل ، فقتل مرتدا يوم اليمامة .

وأعلم بالذي غل خرزا من خرز يهود ، فوجدت في رحله . وبالذي غل الشملة ، وحيث هي .

وناقته حين ضلت ، وكيف تعلقت بالشجرة بخطامها .

وبشأن كتاب حاطب إلى أهل مكة .

وبقضية عمير مع صفوان حين ساره ، وشارطه على قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - . فلما جاء عمير للنبي - صلى الله عليه وسلم - قاصدا لقتله ، وأطلعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الأمر ، والسر أسلم .

وأخبر بالمال الذي تركه عمه العباس - رضي الله عنه - عند أم الفضل بعد أن كتمه .

فقال : ما علمه غيري ، وغيرها ، فأسلم .

وأعلم بأنه سيقتل أبي بن خلف .

وفي عتبة بن أبي لهب أنه يأكله كلب الله .

وعن مصارع أهل بدر ، فكان كما قال .

وقال في الحسن : إن ابني هذا سيد ، وسيصلح الله به بين فئتين .

ولسعد : لعلك تخلف حتى ينتفع بك أقوام ، ويستضر بك آخرون .

وأخبر بقتل أهل مؤتة يوم قتلوا ، وبينهم مسيرة شهر أو أزيد .

وبموت النجاشي يوم [ ص: 335 ] مات ، وهو بأرضه .

وأخبر فيروز إذ ورد عليه رسولا من كسرى بموت كسرى ذلك اليوم ، فلما حقق فيروز القصة أسلم .

وأخبر أبا ذر - رضي الله عنه - بتطريده كما كان ووجده في المسجد نائما ، فقال له : كيف بك إذا أخرجت منه ؟ قال : أسكن المسجد الحرام قال : فإذا أخرجت منه . . . الحديث . وبعيشه ، وحده ، وموته وحده .

وأخبر أن أسرع أزواجه به لحوقا أطولهن يدا ، فكانت زينب لطول يدها بالصدقة .

وأخبر بقتل الحسين بالطف ، وأخرج بيده تربة ، وقال : فيها مضجعه .

وقال في زيد بن صوحان : يسبقه عضو منه إلى الجنة فقطعت يده في الجهاد .

وقال في الذين كانوا معه على حراء : اثبت فإنما عليك نبي ، وصديق ، وشهيد ، فقتل علي ، وعمر ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، وطعن سعد .

وقال لسراقة : كيف بك إذا ألبست سواري كسرى ؟ فلما أتي بهما عمر ألبسهما إياه ، وقال : الحمد الله الذي سلبهما كسرى ، وألبسهما سراقة .

وقال : تبنى مدينة بين دجلة ، ودجيل ، وقطربل ، والصراة ، تجبى إليها خزائن الأرض ، يخسف بها يعني بغداد .

وقال : سيكون في هذه الأمة رجل يقال له : الوليد ، هو شر لهذه الأمة من فرعون لقومه .

وقال : لا [ ص: 336 ] تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان دعواهما واحدة .

وقال لعمر في سهيل بن عمرو : عسى أن يقوم مقاما يسرك يا عمر ! فكان كذلك ، قام بمكة مقام أبي بكر يوم بلغهم موت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وخطب بنحو خطبته ، وثبتهم ، وقوى بصائرهم .

وقال لخالد حين وجهه لأكيدر : إنك تجده يصيد البقر فوجدت هذه الأمور كلها في حياته ، وبعد موته كما قال - صلى الله عليه وسلم - .

إلى ما أخبر به جلساءه من أسرارهم ، وبواطنهم ، واطلع عليه من أسرار المنافقين ، وكفرهم ، وقولهم فيه ، وفي المؤمنين ، حتى إن كان بعضهم ليقول لصاحبه : اسكت ، فوالله لو لم يكن عنده من يخبره لأخبرته حجارة البطحاء .

وإعلامه بصفة السحر الذي سحره به لبيد بن الأعصم ، وكونه في مشط ، ومشاقة ، في جف طلع نخلة ذكر ، وأنه ألقي في بئر ذروان فكان كما قال ، ووجد على تلك الصفة .

وإعلامه قريشا تأكل الأرضة ما في صحيفتهم التي تظاهروا بها على بني هاشم ، وقطعوا بها رحمهم ، وأنها أبقت فيها كل اسم لله ، فوجدوها كما قال .

ووصفه لكفار قريش بيت المقدس حين كذبوه في خبر الإسراء ، ونعته إياه نعت من عرفه .

وأعلمهم بعيرهم التي مر عليها في طريقه ، وأنذرهم بوقت وصولها ، فكان كله كما قال .

إلى ما أخبر به من الحوادث التي تكون ، ولم تأت بعد ، منها ما ظهرت مقدماتها ، كقوله : عمران بيت المقدس خراب يثرب ، وخراب يثرب خروج الملحمة ، وخروج الملحمة فتح القسطنطينية .

ومن أشراط الساعة ، وآيات حلولها ، وذكر النشر ، والحشر ، وأخبار الأبرار ، والفجار ، والجنة ، والنار ، وعرصات القيامة .

وبحسب هذا الفصل أن يكون ديوانا مفردا يشتمل على أجزاء وحده ، وفيما أشرنا إليه من نكت الأحاديث التي ذكرناها كفاية ، وأكثرها في الصحيح ، وعند الأئمة .

التالي السابق


الخدمات العلمية