صفحة جزء
[ ص: 356 ] [ ص: 357 ] [ ص: 358 ] [ ص: 359 ] [ ص: 360 ] [ ص: 361 ] [ ص: 362 ] [ ص: 363 ] [ ص: 364 ] [ ص: 365 ] [ ص: 366 ] [ ص: 367 ] بسم الله الرحمن الرحيم

القسم الثاني

فيما يجب على الأنام من حقوقه - صلى الله عليه وسلم -

مقدمة القسم الثاني

قال القاضي أبو الفضل - وفقه الله - : وهذا قسم لخصنا فيه الكلام في أربعة أبواب على ما ذكرناه في أول الكتاب ، ومجموعها في وجوب تصديقه ، واتباعه في سنته ، وطاعته ، ومحبته ، ومناصحته ، وتوقيره ، وبره ، وحكم الصلاة عليه ، والتسليم ، وزيارة قبره - صلى الله عليه وسلم - .

الباب الأول :

في فرض الإيمان به ، ووجوب طاعته ، واتباع سنته ، وفيه خمسة فصول

الفصل الأول : فرض الإيمان به

إذا تقرر بما قدمناه ثبوت نبوته ، وصحة رسالته وجب الإيمان به ، وتصديقه فيما أتى به ، قال الله - تعالى - : فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا [ التغابن : 8 ] .

وقال : إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله [ الفتح : 8 - 9 ] .

وقال : فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي [ الأعراف : 158 ] الآية .

فالإيمان بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - واجب متعين لا يتم إيمان إلا به ، ولا يصح إسلام إلا معه ، قال الله - تعالى - : ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا [ الفتح : 13 ] .

حدثنا أبو محمد الخشني الفقيه بقراءتي عليه ، حدثنا الإمام أبو علي الطبري ، حدثنا عبد الغافر الفارسي ، حدثنا ابن عمرويه ، حدثنا ابن سفيان ، حدثنا أبو الحسين ، حدثنا أمية بن بسطام ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا روح ، عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب ، عن أبيه ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، ويؤمنوا بي ، وبما جئت به ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم ، وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله .

[ ص: 368 ] قال القاضي أبو الفضل وفقه الله : والإيمان به - صلى الله عليه وسلم - هو تصديق نبوته ورسالة الله له ، وتصديقه في جميع ما جاء به ، وما قاله ، ومطابقة تصديق القلب بذلك شهادة اللسان بأنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإذا اجتمع التصديق به بالقلب ، والنطق بالشهادة بذلك اللسان تم الإيمان به ، والتصديق له كما ورد في الحديث نفسه من رواية عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - : أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله .

وقد زاده وضوحا في حديث جبريل ، إذ قال : أخبرني عن الإسلام ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله وذكر أركان الإسلام ، ثم سأله عن الإيمان فقال : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله الحديث ؛ فقد قرر أن الإيمان به محتاج إلى العقد بالجنان ، والإسلام به مضطر إلى النطق باللسان .

وهذه الحال المحمودة التامة .

وأما الحال المذمومة فالشهادة باللسان دون تصديق القلب ، وهذا هو النفاق ، قال الله - تعالى - : إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون [ المنافقون : 1 ] ، أي كاذبون في قولهم ذلك عن اعتقادهم ، وتصديقهم ، وهم لا يعتقدونه ، فلما لم تصدق ذلك ضمائرهم لم ينفعهم أن يقولوا بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ، فخرجوا عن اسم الإيمان ولم يكن لهم في الآخرة حكمه ، إذ لم يكن معهم إيمان ولحقوا بالكافرين في الدرك الأسفل من النار ، وبقي عليهم حكم الإسلام ، بإظهار شهادة الإسلام ، في أحكام الدنيا المتعلقة بالأئمة ، وحكام المسلمين الذين أحكامهم على الظواهر ، بما أظهروه من علامة الإسلام ، إذ لم يجعل للبشر سبيل إلى السرائر ، ولا أمروا بالبحث عنها ، بل نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن التحكم عليها ، وذم ذلك ، وقال : هلا شققت عن قلبه ؟ .

والفرق بين القول ، والعقد ما جعل في حديث جبريل : الشهادة من الإسلام ، والتصديق من الإيمان .

وبقيت حالتان أخريان بين هذين :

إحداهما : أن يصدق بقلبه ، ثم يخترم قبل اتساع وقت للشهادة بلسانه فاختلف فيه ، فشرط بعضهم من تمام الإيمان القول ، والشهادة به ، ورآه بعضهم مؤمنا مستوجبا للجنة ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان فلم يذكر [ ص: 369 ] سوى ما في القلب .

وهذا مؤمن بقلبه ، غير عاص ، ولا مفرط بترك غيره . وهذا هو الصحيح في هذا الوجه .

الثانية : أن يصدق بقلبه ، ويطول مهله ، وعلم ما يلزمه من الشهادة ، فلم ينطق بها جملة ، ولا استشهد في عمره ولا مرة ، فهذا اختلف فيه أيضا ، فقيل : هو مؤمن لأنه مصدق ، والشهادة من جملة الأعمال ، فهو عاص بتركها غير مخلد في النار .

وقيل : ليس بمؤمن حتى يقارن عقده شهادة اللسان ، إذ الشهادة إنشاء عقد ، والتزام إيمان وهي مرتبطة مع العقد ولا يتم التصديق مع المهلة إلا بها . وهذا هو الصحيح .

وهذا نبذ يفضي إلى متسع من الكلام في الإسلام ، والإيمان وأبوابهما ، وفي الزيادة فيهما والنقصان ، وهل التجزي ممتنع على مجرد التصديق لا يصح فيه جملة ، وإنما يرجع إلى ما زاد عليه من عمل ، أو قد يعرض فيه لاختلاف صفاته ، وتباين حالاته ، من قوة يقين ، وتصميم اعتقاد ، ووضوح معرفة ، ودوام حالة ، وحضور قلب .

وفي بسط هذا خروج عن غرض التأليف ، وفيما ذكرنا غنية فيما قصدنا إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية