صفحة جزء
الفصل الثالث : فيما روي عن السلف ، والأئمة من محبتهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - وشوقهم له

[ حدثنا القاضي الشهيد ، حدثنا العذري ، حدثنا الرازي ، حدثنا الجلودي ، حدثنا ابن سفيان ، حدثنا مسلم ، حدثنا قتيبة ، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن سهيل ، عن أبيه ، ] عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من أشد أمتي لي حبا ناس يكونون بعدي ، يود أحدهم لو رآني بأهله ، وماله . ومثله عن أبي ذر .

[ ص: 384 ] وقد تقدم حديث عمر - رضي الله عنه - ، وقوله للنبي - صلى الله عليه وسلم - : لأنت أحب إلي من نفسي .

وما تقدم عن الصحابة في مثله .

وعن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - : ما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وعن عبدة بنت خالد بن معدان قالت : ما كان خالد يأوي إلى فراش إلا وهو يذكر من شوقه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإلى أصحابه من المهاجرين ، والأنصار يسميهم ، ويقول : هم أصلي ، وفصلي ، وإليهم يحن قلبي ، طال شوقي ، فعجل رب قبضي إليك . حتى يغلبه النوم .

وروي عن أبي بكر - رضي الله عنه - أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : والذي بعثك بالحق لإسلام أبي طالب كان أقر لعيني من إسلامه - يعني أباه أبا قحافة - وذلك أن إسلام أبي طالب كان أقر لعينك .

ونحوه عن عمر بن الخطاب ، قاله للعباس - رضي الله عنه - : أن تسلم أحب إلي من أن يسلم الخطاب ، لأن ذلك أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وعن ابن إسحاق أن امرأة من الأنصار قتل أبوها ، وأخوها ، وزوجها يوم أحد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقالت : ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا : خيرا ، هو بحمد الله كما تحبين . قالت : أرنيه حتى أنظر إليه . فلما رأته قالت : كل مصيبة بعدك جلل .

وسئل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - : كيف كان حبكم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : كان [ ص: 385 ] والله أحب إلينا من أموالنا ، وأولادنا ، وآبائنا ، وأمهاتنا ، ومن الماء البارد على الظمإ .

وعن زيد بن أسلم : خرج عمر رضي الله عنه ليلة يحرس الناس ، فرأى مصباحا في بيت ، وإذا عجوز تنفش صوفا ، وتقول :


على محمد صلاة الأبرار صلى عليه الطيبون الأخيار     قد كنت قواما بكا بالأسحار
يا ليت شعري والمنايا أطوار

    هل تجمعني وحبيبي الدار



تعني النبي - صلى الله عليه وسلم - .

فجلس عمر - رضي الله عنه - يبكي ، وفي الحكاية طول .

وروي أن عبد الله بن عمر خدرت رجله ، فقيل له : اذكر أحب الناس إليك يزل عنك . فصاح : يا محمداه ! فانتشرت .

ولما احتضر بلال - رضي الله عنه - نادت امرأته : واحزناه ! فقال : واطرباه ! غدا ألقى الأحبه ، محمدا ، وحزبه .

ويروى أن امرأة قالت لعائشة - رضي الله عنها - : اكشفي لي قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فكشفته لها ، فبكت حتى ماتت .

ولما أخرج أهل مكة زيد بن الدثنة من الحرم ليقتلوه قال له أبو سفيان بن حرب : أنشدك الله يا زيد ، أتحب أن محمدا الآن عندنا مكانك يضرب عنقه ، وأنك في أهلك ؟ فقال زيد : والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة ، وإني جالس في [ ص: 386 ] أهلي .

فقال أبو سفيان : ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا ! .

وعن ابن عباس : كانت المرأة إذا أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - حلفها بالله : ما خرجت من بغض زوج ، ولا رغبة بأرض عن أرض ، وما خرجت إلا حبا لله ، ورسوله .

ووقف ابن عمر على ابن الزبير - رضي الله عنهما - بعد قتله ، فاستغفر له ، وقال : كنت - والله ما علمت - صواما قواما تحب الله ، ورسوله .

التالي السابق


الخدمات العلمية